للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلُ الْآخَرِ:

أَصَمُّ عَنِ الْأَمْرِ الَّذِي لَا أُرِيدُهُ ... وَأَسْمَعُ خَلْقِ اللَّهِ حِينَ أُرِيدُ

وَقَوْلُ الْآخَرِ:

قُلْ مَا بَدَا لَكَ مِنْ زُورٍ وَمِنْ كَذِبِ ... حِلْمِي أَصَمُّ وَأُذْنِي غَيْرُ صَمَّاءَ

وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ إِطْلَاقِ الصَّمَمِ عَلَى السَّمَاعِ الَّذِي لَا فَائِدَةَ فِيهِ. وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ الَّذِي لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَالرُّؤْيَةُ الَّتِي لَا فَائِدَةَ فِيهَا.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ إِذَا قَالَ لَهُمْ: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [٢٣ \ ١٠٨] وَقَعَ بِهِمْ ذَلِكَ الْعَمَى، وَالصَّمَمُ، وَالْبَكَمُ مِنْ شِدَّةِ الْكَرْبِ، وَالْيَأْسِ مِنَ الْفَرَجِ، قَالَ تَعَالَى: وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ [٢٧ \ ٨٥] ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ الْأَحْوَالُ الْخَمْسَةُ مُقَدَّرَةً، أَعْنِي قَوْلَهُ فِي " طه ": وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [٢٠ \ ١٢٥] ، وَقَوْلُهُ فِيهَا: لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَوْلُهُ فِي " الْإِسْرَاءِ: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا [١٧ \ ٩٧] ، وَأَظْهَرُهَا عِنْدِي الْأَوَّلُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [٢٠ \ ١٢٦] مِنَ النِّسْيَانِ بِمَعْنَى التَّرْكِ عَمْدًا كَمَا قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا. [٢٠ \ ١١٥] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ.

ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ يُجَازِي الْمُسْرِفِينَ ذَلِكَ الْجَزَاءَ الْمَذْكُورَ. وَقَدْ دَلَّ مَسْلَكَ الْإِيمَاءِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْجَزَاءَ لِعِلَّةِ إِسْرَافِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي الطُّغْيَانِ وَالْمَعَاصِي، وَبَيَّنَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ جَزَاءَ الْإِسْرَافِ النَّارُ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ [٤٠ \ ٤٣] ، وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يُنِيبُوا إِلَى اللَّهِ وَيَتُوبُوا إِلَيْهِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ الْآيَةَ [٣٩ \ ٥٢ - ٥٤] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>