للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْإِشْكَالُ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [١٩ \ ٦٤] وَقَوْلِهِ: لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى [٢٠ \ ٥٢] .

وَقَدْ أَجَابَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - عَنْ ذَلِكَ فِي دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ، بِأَنَّ النِّسْيَانَ الْمُثْبَتَ بِمَعْنَى التَّرْكِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْمَنْفِيَّ عَنْهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي بِمَعْنَى السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.

التَّنْبِيهُ الثَّانِي: مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ - فِي مُقَدِّمَةِ الْأَضْوَاءِ أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ أَنْ يُوجَدَ فِي الْآيَةِ اخْتِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ وَتُوجَدُ فِيهَا قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا [٤٥ \ ٣٤] ، وَهَذَا الْقَوْلُ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ عَبَّرَ عَنِ النِّسْيَانِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ وَهِيَ لِلْحَالِ أَوِ الِاسْتِقْبَالِ، وَلَا يَكُونُ النِّسْيَانُ الْمُخْبَرُ عَنْهُ فِي الْحَالِ إِلَّا عَنْ قَصْدٍ وَإِرَادَةٍ، وَكَذَلِكَ لَا يُخْبَرُ عَنْ نِسْيَانٍ سَيَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِلَّا عَنْ قَصْدٍ وَإِرَادَةٍ، وَهَذَا فِي النِّسْيَانِ بِمَعْنَى التَّرْكِ عَنْ قَصْدٍ، أَمَّا الَّذِي بِمَعْنَى السَّهْوِ فَيَكُونُ بِدُونِ قَصْدٍ وَلَا إِرَادَةٍ، فَلَا يَصِحُّ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ وَلَا الْإِخْبَارُ بِإِيقَاعِهِ عَلَيْهِمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ نِسْيَانٍ نُسِبَ إِلَى اللَّهِ فَهُوَ بِمَعْنَى التَّرْكِ، وَكَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [٥٩ \ ١٩] مُفَسِّرًا وَمُبَيِّنًا لِمَعْنَى: الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ [٤٥ \ ٣٤] وَلِقَوْلِهِ إِنَّا نَسِينَاكُمْ [٣٢ \ ١٤] ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ. دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى عَدَمِ اسْتِوَاءِ الْفَرِيقَيْنِ: أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ، وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بَدَاهَةً، وَلَكِنْ جَاءَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ غَفْلَةِ النَّاسِ عَنْهُ، وَلِظُهُورِ أَعْمَالٍ مِنْهُمْ تُغَايِرُ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ الْبَدِيهِيَّةَ، كَمَنْ يُسِيءُ إِلَى أَبِيهِ فَتَقُولُ لَهُ: إِنَّهُ أَبُوكَ، قَالَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ.

وَهَذَا فِي أُسْلُوبِ الْبَيَانِ يُرَادُ بِهِ لَازِمُ الْخَبَرِ، أَيْ: يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ التَّنْبِيهُ أَنْ يَعْمَلُوا مَا يُبْعِدُهُمْ عَنِ النَّارِ وَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ: لِيَنَالُوا الْفَوْزَ.

وَهَذَا الْبَيَانُ قَدْ جَاءَتْ نَظَائِرُهُ عَدِيدَةً فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [٣٨ \ ٢٨]

<<  <  ج: ص:  >  >>