للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَقَوْلِهِ: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ [٣٢ \ ١٨] أَيْ: فِي الْحُكْمِ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا فِي الْوَاقِعِ فِي الْحَيَاةِ أَوْ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [٤٥ \ ٢١] ، وَهُنَا كَذَلِكَ: لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ [٥٩ \ ٢٠] فِي الْمَرْتَبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ وَالْمَصِيرِ.

قَالَ أَبُو حَيَّانَ: هَذَا بَيَانُ مُقَابَلَةِ الْفَرِيقَيْنِ أَصْحَابِ النَّارِ فِي الْجَحِيمِ، وَأَصْحَابِ الْجَنَّةِ فِي النَّعِيمِ، وَالْآيَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ فِي بَيَانِ الْمُقَارَنَةِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ بِدَلِيلِ مَا فِيهَا مِنْ قَوْلِهِ: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [٥٩ \ ٢٠] فَهَذَا حُكْمٌ عَلَى أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ بِالْفَوْزِ، وَمَفْهُومُهُ الْحُكْمُ عَلَى الْفَرِيقِ الثَّانِي بِالْهَلَاكِ وَالْخُسْرَانِ، وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا مَا قَبْلَهَا وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ [٥٩ \ ١٩] أَيْ: مِنْ هَذَا الْفَرِيقِ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ، فَصَارُوا أَصْحَابَ النَّارِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَهُنَا احْتِمَالٌ آخَرُ، وَهُوَ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ فِي النَّارِ وَلَا أَصْحَابُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنْ مَنَازِلَ مُتَفَاوِتَةٍ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو حَيَّانَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ [٤١ \ ٣٤] ، وَلَكِنَّ عَدَمَ وُجُودِ اللَّامِ هُنَا يَجْعَلُهُ أَضْعَفَ احْتِمَالًا، وَإِلَّا لَقَالَ: لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ، وَلَا أَصْحَابُ الْجَنَّةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا لِتَفَاوُتِ دَرَجَاتِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنَازِلِ أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ، إِلَّا أَنَّ احْتِمَالَهُ هُنَا غَيْرُ وَارِدٍ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْآيَةِ حُكِمَ عَلَى مَجْمُوعِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، وَهُمْ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَيْ فِي مَجْمُوعِهِمْ كَأَنَّهُ فِي مَثَابَةِ الْقَوْلِ: النَّارُ وَالْجَنَّةُ لَا يَسْتَوِيَانِ، فَأَصْحَابُهُمَا كَذَلِكَ.

وَقَدْ نَبَّهَ أَبُو السُّعُودِ عَلَى تَقْدِيمِ أَصْحَابِ النَّارِ، فِي الذِّكْرِ عَلَى أَصْحَابِ الْجَنَّةِ بِأَنَّهُ لِيُبَيِّنَ لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ أَنَّ النَّقْصَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ: هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ [١٣ \ ١٦] اهـ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُتَفَاوِتَيْنِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ، يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّفَاوُتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّقْصِ فِي النَّاقِصِ، وَيُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الزِّيَادَةِ فِي الزَّائِدِ.

فَقَدَّمَ الْجَانِبَ النَّاقِصَ؛ لِيُبَيِّنَ أَنَّ التَّفَاوُتَ الَّذِي حَصَلَ بَيْنَهُمَا، إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ النَّقْصِ الَّذِي جَاءَ مِنْهُمَا لَا بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ فِي الْفَرِيقِ الثَّانِي، وَالنَّتِيجَةُ فِي ذَلِكَ عَدَمُ إِمْكَانِ جَانِبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>