للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ.

ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنْهُ فِي عِلْمِهِ الْحُسْنَى وَهِيَ تَأْنِيثُ الْأَحْسَنِ، وَهِيَ الْجَنَّةُ أَوِ السَّعَادَةُ - مُبْعَدُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنِ النَّارِ. وَقَدْ أَشَارَ إِلَى نَحْوِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ كَقَوْلِهِ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [١٠ \ ٢٦] وَقَوْلِهِ: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [٥٥ \ ٦٠] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ.

ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنْهُ الْحُسْنَى وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ [٢١] أَيْ: تَسْتَقْبِلُهُمْ بِالْبِشَارَةِ، وَتَقُولُ لَهُمْ: هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ أَيْ: تُوعَدُونَ فِيهِ أَنْوَاعَ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ. قِيلَ: تَسْتَقْبِلُهُمْ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْقُبُورِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَمَا ذَكَرَهُ - جَلَّ وَعَلَا - مِنِ اسْتِقْبَالِ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ بِذَلِكَ بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ فِي «فُصِّلَتْ» : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [٤١ - ٣٣] وَقَوْلِهِ فِي «النَّحْلِ» : الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [١٦] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ.

قَوْلُهُ: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ [٢١ \ ١٠٤] مَنْصُوبٌ بِقَوْلِهِ: لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ [٢١] أَوْ بِقَوْلِهِ تَتَلَقَّاهُمُ. وَقَدْ ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ الْكُتُبَ. وَصَرَّحَ فِي «الزُّمَرِ» بِأَنَّ الْأَرْضَ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ السَّمَاوَاتِ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [٣٩ \ ٦٧] وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ السَّمَاوَاتِ مَطْوِيَّاتٍ بِيَمِينِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَدَّمْنَا مِرَارًا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذَلِكَ إِمْرَارُهُ كَمَا جَاءَ، وَالتَّصْدِيقُ بِهِ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ صِفَةَ الْخَالِقِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُمَاثِلَ صِفَةَ الْمَخْلُوقِ.

وَأَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>