للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْحَالَتَيْنِ، فِي حَالَيِ الْفَقْرِ وَالْغِنَى، إِنْ قَلَّ مَالُهُ صَبَرَ، وَإِنْ كَثُرَ بَذَلَ وَشَكَرَ.

اسْتَغْنِ مَا أَغْنَاكَ رَبُّكَ بِالْغِنَى ... وَإِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلِ

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ عَطَاءِ اللَّهِ لَهُ مِمَّا فَاقَ كُلَّ عَطَاءٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [١٥ \ ٨٧] ، ثُمَّ قَالَ: لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [١٥ \ ٨٨] .

وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُقَارَنَةِ بَيْنَ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ وَالْغَنِيِّ الشَّاكِرِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَمَعَ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِلَا الْأَمْرَيْنِ ; لِيَرْسُمَ الْقُدْوَةَ الْمُثْلَى فِي الْحَالَتَيْنِ.

تَنْبِيهٌ.

فِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِيوَاءَ وَالْهُدَى وَالْغِنَى مِنَ اللَّهِ ; لِإِسْنَادِهَا هُنَا لِلَّهِ تَعَالَى.

وَلَكِنْ فِي السِّيَاقِ لَطِيفَةً دَقِيقَةً، وَهِيَ مَعْرَضُ التَّقْرِيرِ، يَأْتِي بِكَافٍ الْخِطَابِ: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا، أَلَمْ يَجِدْكَ ضَالًّا، أَلَمْ يَجِدْكَ عَائِلًا، لِتَأْكِيدِ التَّقْرِيرِ، لَمْ يُسْنَدِ الْيُتْمُ وَلَا الْإِضْلَالُ وَلَا الْفَقْرُ لِلَّهِ، مَعَ أَنَّ كُلَّهُ مِنَ اللَّهِ، فَهُوَ الَّذِي أَوْقَعَ عَلَيْهِ الْيُتْمُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي مِنْهُ كُلَّمَا وَجَدَهُ عَلَيْهِ، ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إِيلَامٍ لَهُ، فَمَا يُسْنِدُهُ لِلَّهِ ظَاهِرًا، وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّقْرِيرِ عَلَيْهِ أَبْرَزَ ضَمِيرَ الْخِطَابِ.

وَفِي تَعْدَادِ النِّعَمِ: فَآوَى، فَهَدَى، فَأَغْنَى. أُسْنِدَ كُلُّهُ إِلَى ضَمِيرِ الْمُنْعِمِ، وَلَمْ يُبْرِزْ ضَمِيرَ الْخِطَابِ.

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لِمُرَاعَاةِ رُءُوسِ الْآيِ وَالْفَوَاصِلِ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ امْتِنَانٌ، وَأَنَّهَا نِعَمٌ مَادِّيَّةٌ لَمْ يُبْرِزِ الضَّمِيرَ لِئَلَّا يُثْقِلَ عَلَيْهِ الْمِنَّةَ، بَيْنَمَا أَبْرَزَهُ فِي: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ [٩٤ \ ١ - ٢] ، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [٩٤ \ ٤] ; لِأَنَّهَا نِعَمٌ مَعْنَوِيَّةٌ، انْفَرَدَ بِهَا. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ

مَجِيءُ الْفَاءِ هُنَا مُشْعِرٌ، إِمَّا بِتَفْرِيعٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَإِمَّا بِإِفْصَاحٍ عَنْ تَعَدُّدٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْجُمَلَ بِتَقْدِيرِ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ.ُُ

<<  <  ج: ص:  >  >>