للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ سَاقَ تَعَالَى هُنَا ثَلَاثَ مَسَائِلَ: الْأُولَى: مُعَامَلَةُ الْأَيْتَامِ، فَقَالَ: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ، أَيْ: كَمَا آوَاكَ اللَّهُ فَآوِهِ، وَكَمَا أَكْرَمَكَ فَأَكْرِمْهُ.

وَقَالُوا: قَهْرُ الْيَتِيمِ أَخْذُ مَالِهِ وَظُلْمِهِ.

وَقِيلَ: قُرِئَ بِالْكَافِ: «تَكْهَرْ» ، فَقَالُوا: هُوَ بِمَعْنَى الْقَهْرِ إِلَّا أَنَّهُ أَشَدَّ.

وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى عَبُوسَةِ الْوَجْهِ، وَالْمَعْنَى أَعَمُّ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَمِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَمِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَمِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ» فَالْقَهْرُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ.

وَبِالنَّظَرِ فِي نُصُوصِ الْقُرْآنِ الْعَدِيدَةِ فِي شَأْنِ الْيَتِيمِ، وَالَّتِي زَادَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ مَوْضِعًا، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَصْنِيفُهَا إِلَى خَمْسَةِ أَبْوَابٍ كُلُّهَا تَدُورُ حَوْلَ دَفْعِ الْمَضَارِّ عَنْهُ، وَجَلْبِ الْمَصَالِحِ لَهُ فِي مَالِهِ وَفِي نَفْسِهِ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ، وَفِي الْحَالَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَهِيَ الْخَامِسَةُ. أَمَّا دَفْعُ الْمَضَارِّ عَنْهُ فِي مَالِهِ، فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، جَاءَتْ مَرَّتَيْنِ فِي سُورَةِ «الْأَنْعَامِ» وَالْأُخْرَى فِي سُورَةِ «الْإِسْرَاءِ» [١٧ \ ٣٤] ، وَفِي كُلٍّ مِنَ السُّورَتَيْنِ ضِمْنَ الْوَصَايَا الْعَشْرِ الْمَعْرُوفَةِ فِي سُورَةِ «الْأَنْعَامِ» ، بَدَأَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [٦ \ ١٥١] .

وَذَكَرَ قَتْلَ الْوَلَدِ، وَقُرْبَانَ الْفَوَاحِشِ، وَقَتْلَ النَّفْسِ، ثُمَّ مَالَ الْيَتِيمِ: «وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» .

وَيُلَاحَظُ أَنَّ النَّهْيَ مُنْصَبٌّ عَلَى مُجَرَّدِ الِاقْتِرَابِ مِنْ مَالِهِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [٤ \ ٦] .

وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ وَلِيَ مَالَ الْيَتِيمِ وَاسْتَحَقَّ أَجْرًا، فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا نَفَقَتُهُ فِي نَفْسِهِ، وَإِمَّا أُجْرَتُهُ عَلَى عَمَلِهِ، أَيْ: إِنْ كَانَ الْعَمَلُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ أَلْفِ رِيَالٍ، وَنَفَقَتُهُ يَكْفِي لَهَا خَمْسُمِائَةٍ أَخَذَ نَفَقَتَهُ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ يَكْفِيهِ أُجْرَةُ مِائَةِ رِيَالٍ، وَنَفَقَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ أَخَذَ أُجْرَتَهُ مِائَةً فَقَطْ ; حِفْظًا لِمَالِهِ.

ثُمَّ بَعْدَ النَّهْيِ عَنِ اقْتِرَابِ مَالِ الْيَتِيمِ ذَلِكَ، فَقَدْ تَتَطَلَّعُ بَعْضُ النُّفُوسِ إِلَى فَوَارِقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>