بَسِيطَةٍ مِنْ بَابِ التَّحَيُّلِ أَوْ نَحْوِهِ، مِنِ اسْتِبْدَالِ شَيْءٍ مَكَانَ شَيْءٍ، فَيَكُونُ طَرِيقًا لِاسْتِبْدَالِ طَيِّبٍ بِخَبِيثٍ، فَجَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [٤ \ ٢] .
وَالْحُوبُ: أَعْظَمُ الذَّنْبِ، فَفِيهِ النَّهْيُ عَنِ اسْتِبْدَالِ طَيِّبِ مَالِهِ بِخَبِيثِ مَالِ الْوَلِيِّ أَوْ غَيْرِهِ حَسَدًا لَهُ عَلَى مَالِهِ، كَمَا نَهَى عَنْ خَلْطِ مَالِهِ مَعَ مَالِ غَيْرِهِ كَوَسِيلَةٍ لِأَكْلِهِ مَعَ مَالِ الْغَيْرِ، وَهَذَا مَنْعٌ لِلتَّحَيُّلِ، وَسَدٌّ لِلذَّرِيعَةِ ; حِفْظًا لِمَالِهِ.
ثُمَّ يَأْتِي الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ فِي صُورَةٍ مُفْزِعَةٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [٤ \ ١٠] .
وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ: أَنَّ الْآيَةَ شَمِلَتْ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى كُلَّ مَا فِيهِ إِتْلَافٌ أَوْ تَفْوِيتٌ، سَوَاءٌ كَانَ بِأَكْلٍ حَقِيقَةً، أَوْ بِاخْتِلَاسٍ، أَوْ بِإِحْرَاقٍ، أَوْ إِغْرَاقٍ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ بِالْإِلْحَاقِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ، إِذْ لَا فَرْقَ فِي ضَيَاعِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَيْهِ، بَيْنَ كَوْنِهِ بِأَكْلٍ أَوْ إِحْرَاقٍ بِنَارٍ أَوْ إِغْرَاقٍ فِي مَاءٍ حَتَّى الْإِهْمَالُ فِيهِ، فَهُوَ تَفْوِيتُ عَلَيْهِ وَكُلُّ ذَلِكَ حِفْظًا لِمَالِهِ.
وَأَخِيرًا، فَإِذَا تَمَّ الْحِفَاظُ عَلَى مَالِهِ لَمْ يَقْرَبْهُ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَلَمْ يُبَدِّلْهُ بِغَيْرِهِ أَقَلَّ مِنْهُ، وَلَمْ يَخْلِطْهُ بِمَالِهِ لِيَأْكُلَهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَعْتَدِ عَلَيْهِ بِأَيِّ إِتْلَافٍ كَانَ مَحْفُوظًا لَهُ، إِلَى أَنْ يَذْهَبَ يُتْمُهُ وَيَثْبُتَ رُشْدُهُ، فَيَأْتِي قَوْلُهُ تَعَالَى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا [٤ \ ٦] .
ثُمَّ أَحَاطَ دَفْعَ الْمَالِ إِلَيْهِ بِمُوجِبَاتِ الْحِفْظِ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْآيَةِ: فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ [٤ \ ٦] أَيْ: حَتَّى لَا تَكُونَ مُنَاكَرَةً فِيمَا بَعْدُ.
وَفِي الْخِتَامِ يُنَبِّهُ اللَّهُ فِيهِمْ وَازِعَ مُرَاقَبَةِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [٤ \ ٦] وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ أَمْوَالَهُ تُدْفَعُ إِلَيْهِ بَعْدَ مُحَاسِبَةٍ دَقِيقَةٍ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ.
وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ دِقَّةِ الْحِسَابِ، فَاللَّهُ سَيُحَاسِبُ عَنْهُ، وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا، وَهَذَا كُلُّهُ فِي حِفْظِ مَالِهِ.
أَمَّا جَلْبُ الْمَصَالِحِ، فَإِنَّنَا نَجِدُ فِيهَا أَوَّلًا جَعْلَهُ مَعَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ فِي عِدَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute