وَأَمَّا كَوْنُهُنَّ أَتْرَابًا فَقَدْ بَيَّنَهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ فِي آيَةِ «ص» هَذِهِ: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ، وَفِي سُورَةِ النَّبَأِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا [٧٨ \ ٣١ - ٣٣] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ. وَقَوْلُهُ: فَجَعَلْنَاهُنَّ أَيْ: أَنْشَأْنَاهُنَّ وَصَيَّرْنَاهُنَّ أَبْكَارًا لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ.
قَدْ قَدَّمْنَا مَعْنَى أَصْحَابِ الشِّمَالِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ، وَأَوْضَحْنَا مَعْنَى السَّمُومِ فِي الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا فِي سُورَةِ الطُّورِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [٥٢ \ ٢٧] .
وَقَدْ قَدَّمْنَا صِفَاتِ ظِلِّ أَهْلِ النَّارِ وَظِلِّ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [٤ \ ٥٧] ، وَبَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّ صِفَاتِ ظِلِّ أَهْلِ النَّارِ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ هُنَا: وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ [٥٦ \ ٤٣ - ٤٤] ، وَقَوْلِهِ فِي الْمُرْسَلَاتِ: انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ [٧٧: ٣٠ - ٣١] .
وَقَوْلُهُ: مِنْ يَحْمُومٍ أَيْ مِنْ دُخَانٍ أَسْوَدَ شَدِيدِ السَّوَادِ، وَوَزْنُ الْيَحْمُومِ يَفْعُولُ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْحُمَمِ وَهُوَ الْفَحْمُ، وَقِيلَ: مِنَ الْحَمِّ، وَهُوَ الشَّحْمُ الْمُسْوَدُّ لِاحْتِرَاقِهِ بِالنَّارِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الطُّورِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا الْآيَةَ [٥٢ \ ٢٦ - ٢٧] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ.
لَمَّا ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - مَا أَعَدَّ لِأَصْحَابِ الشِّمَالِ مِنَ الْعَذَابِ؛ بَيَّنَ بَعْضَ أَسْبَابِهِ، فَذَكَرَ مِنْهَا أَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ فِي دَارِ الدُّنْيَا مُتْرَفِينَ أَيْ مُتَنَعِّمِينَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْقُرْآنَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِتْرَافَ وَالتَّنَعُّمَ وَالسُّرُورَ فِي الدُّنْيَا مِنْ أسْبَابِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لِأَنَّ صَاحِبَهُ مُعْرِضٌ عَنِ اللَّهِ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَلَا بِرُسُلِهِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: