فَجْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ خَشْيَةَ السَّاعَةِ» ، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ عِنْدَ الْكَافِرِ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ فِي الْآخِرَةِ لَمَّا يَجْمَعُ اللَّهُ جَمِيعَ الدَّوَابِّ وَيَقْتَصُّ لِلْعَجْمَاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ، فَيَقُولُ لَهَا: كُونِي تُرَابًا، فَيَتَمَنَّى الْكَافِرُ لَوْ كَانَ مِثْلَهَا فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ، كَمَا قَالَ: يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا [٧٨ \ ٤٠] .
وَذَلِكَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: أَنَّ الدَّوَابَّ لَمْ تَعْمَلْ خَيْرًا فَتَبْقَى لِتُجَازَى عَلَيْهِ، وَلَمْ تَعْمَلْ شَرًّا لِتُعَاقَبَ عَلَيْهِ فَكَانَتْ لَا لَهَا وَلَا عَلَيْهَا إِلَّا مَا كَانَ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَعْضِهَا، فَلَمَّا اقْتُصَّ لَهَا مِنْ بَعْضِهَا انْتَهَى أَمْرُهَا، فَكَانَتْ نِهَايَتُهَا عَوْدَتَهَا إِلَى مَنْبَتِهَا وَهُوَ التُّرَابُ. بِخِلَافِ الْكَافِرِ فَإِنَّ عَلَيْهِ حِسَابَ التَّكَالِيفِ وَعِقَابَ الْمُخَالَفَةِ فَيُعَاقَبُ بِالْخُلُودِ فِي النَّارِ، فَكَانَ شَرَّ الْبَرِيَّةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ.
الْحُكْمُ هُنَا بِالْعُمُومِ، كَالْحُكْمِ هُنَاكَ، وَلَكِنَّهُ هُنَا بِالْخَيْرِيَّةِ وَالتَّفْضِيلِ.
أَمَّا مِنْ حَيْثُ الْجِنْسِ فَلَا إِشْكَالَ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَفْضَلُ الْأَجْنَاسِ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [١٧ \ ٧٠] .
وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْعُمُومِ، فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَالِحَ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
وَلَعَلَّ مِمَّا يُقَوِّي هَذَا الِاسْتِدْلَالَ، هُوَ أَنَّ بَعْضَ أَفْرَادِ جِنْسِ الْإِنْسَانِ أَفْضَلُ مِنْ عُمُومِ أَفْرَادِ جِنْسِ الْمَلَائِكَةِ، وَهُوَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا فُضِّلَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْجِنْسِ لَا يُمْنَعُ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ، وَلَكِنْ هَلْ بَعْضُ أَفْرَادِ الْأُمَّةِ بَعْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ عُمُومِ أَوْ بَعْضِ أَفْرَادِ الْمَلَائِكَةِ؟ هَذَا هُوَ مَحَلَّ الْخِلَافِ.
وَلِلْقُرْطُبِيِّ مَبْحَثٌ فِي ذَلِكَ: مَبْنَاهُ عَلَى أَصْلِ الْمَادَّةِ وَوُرُودِ النُّصُوصِ مِنْ جِهَةِ أَصْلِ الْمَادَّةِ إِنْ كَانَتِ الْبَرِيَّةُ مَأْخُوذَةً مِنَ الْبَرْيِ وَهُوَ التُّرَابُ، فَلَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ تَحْتَ هَذَا التَّفْضِيلِ وَإِلَّا فَتَدْخُلُ.
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ النُّصُوصِ، فَقَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ [٢ \ ٣٣] ، قَالَ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، الْمَلَائِكَةُ أَوْ بَنُو آدَمَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَذَهَبَ قَوْلٌ إِلَى أَنَّ الرُّسُلَ مِنَ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنَ الرُّسُلِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَالْأَوْلِيَاءَ مِنَ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute