للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْقِيَامَةِ. وَحَذْفُ الْعَائِدِ الْمَنْصُوبِ بِفِعْلٍ أَوْ وَصْفٍ مُضْطَرَدٌ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا مُعْرِضُونَ عَنِ الْإِنْذَارِ، وَلِكِلَيْهِمَا وَجْهٌ.

قَوْلُهُ - تَعَالَى -: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.

قَدْ ذَكَرْنَا قَرِيبًا أَنَّ قَوْلَهُ: مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ [١٥ \ ٨٥]- يَتَضَمَّنُ الْبُرْهَانَ الْقَاطِعَ عَلَى صِحَّةِ مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَنَّ الْعَلَامَةَ الْفَارِقَةَ بَيْنَ الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ هِيَ كَوْنُهُ خَالِقًا. وَأَوَّلُ سُورَةِ «الْأَحْقَافِ» هَذِهِ يَزِيدُ ذَلِكَ إِيضَاحًا ; لِأَنَّهُ ذَكَرَ مِنْ صِفَاتِ الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بِالْحَقِّ، وَذَكَرَ مِنَ الْمَعْبُودَاتِ الْأُخْرَى الَّتِي عِبَادَتُهَا كُفْرٌ مُخَلِّدٌ فِي النَّارِ أَنَّهَا لَا تَخْلُقُ شَيْئًا.

فَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [٤٦ \ ٤] أَيْ هَذِهِ الْمَعْبُودَاتُ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَرَوْنِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ.

فَقَوْلُهُ: أَرَوْنِي - يُرَادُ بِهِ التَّعْجِيزُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي عَدَمِ خَلْقِهِمْ شَيْئًا.

وَعَلَى أَنَّ مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ، وَذَا مَوْصُولَةٌ - فَالْمَعْنَى أَرُونِي مَا الَّذِي خَلَقُوهُ مِنَ الْأَرْضِ. وَعَلَى أَنَّ مَا وَذَا بِمَنْزِلَةِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُرَادُ بِهَا الِاسْتِفْهَامُ - فَالْمَعْنَى: أَرُونِي أَيَّ شَيْءٍ خَلَقُوهُ مِنَ الْأَرْضِ؟

وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ أَنَّ مَنْ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا فِي الْأَرْضِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ، لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْبُودًا بِحَالٍ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي «فَاطِرٍ» : قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا الْآيَةَ [٣٥ \ ٤٠] . وَقَوْلِهِ فِي «لُقْمَانَ» : هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [٣١ \ ١١] . وَقَوْلِهِ فِي «سَبَأٍ» : قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [٣٤ \ ٢٢] . وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا طَرَفًا مِنْهَا قَرِيبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>