للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دُونِهِ إِلَهًا، فَقَدْ قُلْنَا شَطَطًا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ.

" لَوْلَا " فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ لِلتَّحْضِيضِ، وَهُوَ الطَّلَبُ بِحَثٍّ وَشِدَّةٍ، وَالْمُرَادُ بِهَذَا الطَّلَبِ التَّعْجِيزُ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ عَلَى جَوَازِ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ، وَالْمُرَادُ بِالسُّلْطَانِ الْبَيِّنِ: الْحُجَّةُ الْوَاضِحَةُ.

وَمَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ تَعْجِيزِهِمْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِحُجَّةٍ عَلَى شِرْكِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، وَإِبْطَالِ حُجَّةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى شِرْكِهِمْ، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ [٦ \ ١٤٨] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [٤٦ \ ٤] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ: أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ [٤٣ \ ٢١] ، وَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ [٣٠ \ ٣٥] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا [٣٥ \ ٤٠] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [٢٣ \ ١١٧] ، وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا مُسْتَنَدَ لَهُمْ فِي شِرْكِهِمْ إِلَّا تَقْلِيدَ آبَائِهِمِ الضَّالِّينَ، كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: " هَؤُلَاءِ " مُبْتَدَأٌ، وَ " قَوْمًا " قِيلَ عَطْفُ بَيَانٍ، وَالْخَبَرُ جُمْلَةُ " اتَّخَذُوا "، وَقِيلَ " قَوْمُنَا " خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، وَجُمْلَةُ " اتَّخَذُوا فِي مَحَلِّ حَالٍ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا.

أَيْ لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ بِادِّعَاءِ أَنَّ لَهُ شَرِيكًا، كَمَا افْتَرَاهُ عَلَيْهِ قَوْمُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، كَمَا قَالَ عَنْهُمْ أَصْحَابُ الْكَهْفِ: هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً الْآيَةَ [١٨ \ ١٥] .

وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ أَنَّ افْتِرَاءَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ بِجَعْلِ الشُّرَكَاءِ لَهُ هُوَ أَعْظَمُ الظُّلْمِ - جَاءَ مُبَيَّنًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ الْآيَةَ [٣٩ \ ٣٢] ، وَقَوْلِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>