للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خُرُوجُكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ أَحْيَاءً بَعْدَ الْمَوْتِ، كَقَوْلِهِ: وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ [٣٠ \ ١٩] وَقَوْلِهِ: وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا [٥٠ \ ١١] ، كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [٧ \ ٥٧] وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ.

تَنْبِيهٌ.

فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ سُؤَالَانِ مَعْرُوفَانِ:

الْأَوَّلُ: هُوَ مَا حِكْمَةُ عَطْفِ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: فَتُصْبِحُ عَلَى الْمَاضِي الَّذِي هُوَ أَنْزَلَ؟

السُّؤَالُ الثَّانِي: مَا وَجْهُ الرَّفْعِ فِي قَوْلِهِ: فَتُصْبِحُ مَعَ أَنَّ قَبْلَهَا اسْتِفْهَامًا؟

فَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ النُّكْتَةَ فِي الْمُضَارِعِ هِيَ إِفَادَةُ بَقَاءِ أَثَرِ الْمَطَرِ زَمَانًا بَعْدَ زَمَانٍ كَمَا تَقُولُ: أَنْعَمَ عَلَى فُلَانٍ عَامَ كَذَا وَكَذَا، فَأَرُوحُ وَأَغْدُو شَاكِرًا لَهُ، وَلَوْ قُلْتَ: فَغَدَوْتُ وَرُحْتُ، لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ الْمَوْقِعَ، هَكَذَا أَجَابَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ.

وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْمُضَارِعِ يُفِيدُ اسْتِحْضَارَ الْهَيْئَةِ الَّتِي اتَّصَفَتْ بِهَا الْأَرْضُ: بَعْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ، وَالْمَاضِي لَا يُفِيدُ دَوَامَ اسْتِحْضَارِهَا ; لِأَنَّهُ يُفِيدُ انْقِطَاعَ الشَّيْءِ.

أَمَّا الرَّفْعُ فِي قَوْلِهِ: فَتُصْبِحُ ; فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مُسَبَّبًا عَنِ الرُّؤْيَةِ الَّتِي هِيَ مَوْضِعُ الِاسْتِفْهَامِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسَبَّبُ الْإِنْزَالِ فِي قَوْلِهِ: أَنْزَلَ، وَالْإِنْزَالُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ إِصْبَاحِ الْأَرْضِ مُخْضَرَّةً لَيْسَ فِيهِ اسْتِفْهَامٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَاءَ الَّتِي يُنْصَبُ بَعْدَهَا الْمُضَارِعُ إِنْ حُذِفَتْ جَازَ جَعْلُ مَدْخُولِهَا جَزَاءً لِلشَّرْطِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقُولَ هُنَا: إِنْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً، تُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ; لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا أَثَرَ لَهَا أَلْبَتَّةَ فِي اخْضِرَارِ الْأَرْضِ، بَلْ سَبَبُهُ إِنْزَالُ الْمَاءِ لَا رُؤْيَةُ إِنْزَالِهِ.

وَقَدْ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي «الْكَشَّافِ» فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ: فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا لَهُ رُفِعَ وَلَمْ يُنْصَبْ جَوَابًا لِلِاسْتِفْهَامِ.

قُلْتُ: لَوْ نُصِبَ لَأَعْطَى مَا هُوَ عَكْسُ الْغَرَضِ ; لَأَنَّ مَعْنَاهُ إِثْبَاتُ الِاخْضِرَارِ فَيَنْقَلِبُ بِالنَّصْبِ إِلَى نَفْيِ الِاخْضِرَارِ.

مِثَالُهُ: أَنْ تَقُولَ لِصَاحِبِكَ: أَلَمْ تَرَ أَنِّي أَنْعَمْتُ عَلَيْكَ فَتَشْكُرُ، إِنْ تَنْصِبْهُ فَأَنْتَ نَافٍ لِشُكْرِهِ شَاكٌّ تَفْرِيطَهُ، وَإِنْ رَفَعْتَهُ فَأَنْتَ مُثْبِتٌ لِلشُّكْرِ، وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يَرْغَبَ لَهُ مَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>