للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْجَنَّةَ وَلَمْ يَنَلْ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ يُحِسُّ بِالْخُسْرَانِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي فَرَّطَ فِيهِ، وَلَمْ يُنَافِسْ فِعْلَ الْخَيْرِ، لِيَنَالَ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ.

فَهَذِهِ السُّورَةُ فِعْلًا دَافِعٌ لِكُلِّ فَرْدٍ إِلَى الْجِدِّ وَالْعَمَلِ الْمُرْبِحِ، وَدَرَجَاتُ الْجَنَّةِ رَفِيعَةٌ، وَمَنَازِلُهَا عَالِيَةٌ مَهْمَا بَذَلَ الْعَبْدُ مِنْ جُهْدٍ، فَإِنَّ أَمَامَهُ مَجَالٌ لِلْكَسْبِ وَالرِّبْحِ، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَالْفَلَاحَ.

وَقَدْ قَالُوا: لَا يَخْرُجُ إِنْسَانٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا حَزِينًا، فَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَعَلَى إِسَاءَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَلِتَقْصِيرِهِ، وَقَدْ يَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [٤١] .

فَالْخَوْفُ مِنَ الْمُسْتَقْبَلِ أَمَامَهُمْ، وَالْحُزْنُ عَلَى الْمَاضِي خَلْفَهُمْ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَيُبَيِّنُ خَطَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَشَعُرَ بِأَيَّامِهِ الْمَعْدُودَةِ وَسَاعَاتِهِ الْمَحْدُودَةِ، وَأَرَادَ زِيَادَةَ يَوْمٍ فِيهَا، يَتَزَوَّدُ مِنْهَا أَوْ سَاعَةٍ وَجِيزَةٍ يَسْتَدْرِكُ بَعْضًا مِمَّا فَاتَهُ، لَمْ يَسْتَطِعْ لِذَلِكَ سَبِيلًا، فَيَشْعُرُ بِالْأَسَى وَالْحُزْنِ عَلَى الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَالشُّهُورِ وَالسِّنِينَ الَّتِي ضَاعَتْ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَا كَسْبٍ وَلَا فَائِدَةٍ، كَانَ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ تَكُونَ مُرْبِحَةً لَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا الْإِنْسَانُ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» .

أَيْ: أَنَّهُمَا يَمْضِيَانِ لَا يَسْتَغِلُّهُمَا فِي أَوْجِهِ الْكَسْبِ الْمُكْتَمِلَةِ، فَيُفَوَّتَانِ عَلَيْهِ بِدُونِ عِوَضٍ يُذْكَرُ، ثُمَّ يَنْدَمُ وَلَاتَ حِينَ مَنْدَمٍ.

كَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ:

بَدَّلَتْ بِالْجُمَّةِ رَأْسًا أَزْعَرَا ... وَبِالثَّنَايَا الْوَاضِحَاتِ الدُّرِّ دُرَرَا

كَمَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ إِذْ تَنَصَّرَا

تَنْبِيهٌ

فِي سُورَةِ التَّكَاثُرِ تَقْبِيحُ التَّلَهِّي بِالتَّكَاثُرِ بِالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ الْإِشْعَارُ بِأَنَّ سَبَبَهُ الْجَهْلُ ; لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَمَا أَلْهَاهُمْ ذَلِكَ حَتَّى بَاغَتَهُمُ الْمَوْتُ.

وَهُنَا إِشْعَارٌ أَيْضًا بِأَنَّ سَبَبَ هَذَا الْخُسْرَانِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْإِنْسَانُ، هُوَ الْجَهْلُ الَّذِيُُ

<<  <  ج: ص:  >  >>