بِذَلِكَ حَتَّى يَرَى مَا يُوعِدُهُ، وَهُوَ فِي غَفْلَةٍ وَكُفْرٍ وَضَلَالٍ.
وَتَشْهَدُ لِهَذَا الْوَجْهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ، كَقَوْلِهِ: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا الْآيَةَ [٣ \ ١٧٨] ، وَقَوْلِهِ: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً الْآيَةَ [٦ \ ٤٤] ، كَمَا قَدَّمْنَا قَرِيبًا بَعْضَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ.
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا الْوَجْهَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: فِي حَرْفِ أُبَيٍّ: «قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَإِنَّهُ يَزِيدُهُ اللَّهُ ضَلَالَةً» اهـ. قَالَهُ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ، وَمِثْلُ هَذَا مِنْ جِنْسِ التَّفْسِيرِ لَا مِنْ جِنْسِ الْقِرَاءَةِ، فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: مَا النُّكْتَةُ فِي إِطْلَاقِ صِيغَةِ الطَّلَبِ فِي مَعْنَى الْخَبَرِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ أَجَابَ فِي كَشَّافِهِ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا، أَيْ: مَدَّ لَهُ الرَّحْمَنُ، يَعْنِي أَمْهَلَهُ وَأَمْلَى لَهُ فِي الْعُمْرِ، فَأُخْرِجَ عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ إِيذَانًا بِوُجُوبِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ مَفْعُولٌ لَا مَحَالَةَ، كَالْمَأْمُورِ بِهِ الْمُمْتَثَلِ لِتَنْقَطِعَ مَعَاذِيرُ الضَّالِّ، وَيُقَالُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ [٣٥ \ ٣٧] . انْتَهَى مَحِلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ، وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي فِي قَوْلِهِ: حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ، أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ وَمَا يَلِيهِ، وَالْمَعْنَى: فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَى مَا يُوعَدُ عَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ يَظُنُّ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِنَّ حَتَّى فِي هَذِهِ الْآيَةِ هِيَ الَّتِي تُحْكَى بَعْدَهَا الْجُمَلُ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَجِيءِ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ بَعْدَهَا.
وَقَوْلُهُ: مَا يُوعَدُونَ لَفْظَةُ مَا، مَفْعُولٌ بِهِ لِـ مَا، وَقَوْلُهُ: إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ، بَدَلٌ مِنَ الْمَفْعُولِ بِهِ الَّذِي هُوَ «مَا» وَلَفْظَةُ مَنْ مِنْ قَوْلِهِ: فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هِيَ مَوْصُولَةٌ فِي مَحِلِّ نَصْبٍ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ لِـ «يَعْلَمُونَ» وَعَلَيْهِ فَعَلِمَ هُنَا عِرْفَانِيَّةٌ تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَنْ اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَالْفِعْلُ الْقَلْبِيُّ الَّذِي هُوَ يَعْلَمُونَ مُعَلَّقٌ بِالِاسْتِفْهَامِ، وَهَذَا أَظْهَرُ عِنْدِي.
وَقَوْلُهُ: شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا، فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِمْ: خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ; لِأَنَّ مَقَامَهُمْ هُوَ مَكَانُهُمْ وَمَسْكَنُهُمْ، وَالنَّدِيُّ: الْمَجْلِسُ الْجَامِعُ لِوُجُوهِ قَوْمِهِمْ وَأَعْوَانِهِمْ وَأَنْصَارِهِمْ، وَالْجُنْدُ هُمُ الْأَنْصَارُ وَالْأَعْوَانُ، فَالْمُقَابَلَةُ الْمَذْكُورَةُ ظَاهِرَةٌ، وَقَدْ دَلَّتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى إِطْلَاقِ شَرٌّ مَكَانًا، وَالْمُرَادُ اتِّصَافُ الشَّخْصِ بِالشَّرِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute