للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِوَالِدَيْهِ غَيْرُ مُجْتَنِبٍ نَهْيَ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ الْآيَةَ [١٧ \ ٢٣] . وَقَوْلُهُ: أَتَعِدَانِنِي فِعْلٌ، مُضَارِعُ وَعَدَ، وَحَذْفُ وَاوِهِ فِي الْمُضَارِعِ مُطَّرِدٌ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:

فَا أَمْرٍ أَوْ مُضَارِعٍ مِنْ كَوَعَدْ ... احْذِفْ وَفِي كَعِدَةٍ ذَاكَ اطَّرَدْ

وَالنُّونُ الْأُولَى نُونُ الرَّفْعِ، وَالثَّانِيَةُ نُونُ الْوِقَايَةِ، كَمَا لَا يَخْفَى.

وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ ذَكْوَانَ وَعَاصِمٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ: أَتَعِدَانِنِي، بِنُونَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ مُخَفَّفَتَيْنِ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ.

وَقَرَأَهُ هِشَامٌ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ بِنُونٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَبِيَاءٍ سَاكِنَةٍ.

وَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ بِنُونَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ مُخَفَّفَتَيْنِ وَيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ، وَالْهَمْزَةُ لِلْإِنْكَارِ.

وَقَوْلُهُ: أَنْ أُخْرَجَ أَيْ أُبْعَثَ مِنْ قَبْرِي حَيًّا بَعْدَ الْمَوْتِ.

وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْ أَنْ وَصِلَتِهَا هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِتَعِدَانِنِي، يَعْنِي أَتَعِدَانِنِي الْخُرُوجَ مِنْ قَبْرِي حَيًّا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْحَالُ قَدْ مَضَتِ الْقُرُونُ، أَيْ هَلَكَتِ الْأُمَمُ الْأُولَى، وَلَمْ يَحْيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلَمْ يَرْجِعْ بَعْدَ أَنْ مَاتَ.

وَهُمَا، أَيْ وَالِدَاهُ، يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ، أَيْ يَطْلُبَانِهِ أَنْ يُغِيثَهُمَا بِأَنْ يَهْدِيَ وَلَدَهُمَا إِلَى الْحَقِّ وَالْإِقْرَارِ بِالْبَعْثِ، وَيَقُولَانِ لِوَلَدِهِمَا: وَيْلَكَ آمِنْ، أَيْ بِاللَّهِ وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ.

وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمَا: وَيْلَكَ - حَثُّهُ عَلَى الْإِيمَانِ. إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، أَيْ وَعْدَهُ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ، فَيَقُولُ ذَلِكَ الْوَلَدُ الْعَاقُّ الْمُنْكِرُ لِلْبَعْثِ: مَا هَذَا إِنَّ الَّذِي تَعِدَانِنِي إِيَّاهُ مِنَ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ.

وَالْأَسَاطِيرُ جَمْعُ أُسْطُورَةٍ. وَقِيلَ: جَمْعُ إِسْطَارَةٍ، وَمُرَادُهُ بِهَا مَا سَطَّرَهُ الْأَوَّلُونَ، أَيْ كَتَبُوهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا حَقِيقَةَ لَهَا.

وَقَوْلُهُ: أُولَئِكَ تَرْجِعُ الْإِشَارَةُ فِيهِ إِلَى الْعَاقِّينَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا الْآيَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>