للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَصَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَتَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ أَبَدًا، وَأَنَّ السَّبَبَ هُوَ مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ، وَلَكِنْ لِيُبَيِّنَ مَا هُوَ مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمُ الَّذِي مَنَعَهُمْ مِنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي إِمْلَائِهِ: لَا يَتَمَنَّوْنَهُ لِشِدَّةِ حِرْصِهِمْ عَلَى الْحَيَاةِ كَمَا بَيَّنَهُ تَعَالَى قَوْلُهُ: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [٢ \ ٩٦] فَشِدَّةُ حِرْصِهِمْ عَلَى الْحَيَاةِ؛ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ إِذَا مَاتُوا دَخَلُوا النَّارَ، وَلَوْ تَمَنَّوْا لَمَاتُوا مِنْ حِينِهِمْ.

وَقَوْلُهُ: بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ وَالْمُسَبِّبٌ انْتِفَاءُ تَمَنِّيهِمْ وَمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ مِنَ الْكُفْرِ، وَالْمَعَاصِي. اهـ.

وَالَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - مِنَ الْأَسْبَابِ مِنْ كُفْرِهِمْ وَمَعَاصِيهِمْ، قَدْ بَيَّنَهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ صَرِيحًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ [٣ \ ١٨١] .

فَالْبَاءُ هُنَا سَبَبِيَّةٌ أَيْضًا أَيْ: ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ بِسَبَبِ مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ، وَلِهَذَا كُلِّهِ لَنْ يَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ وَيُوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ، فَقَدْ أَيْقَنُوا الْهَلَاكَ وَيَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ.

كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ [٦٠ \ ١٣] ، وَلِهَذَا كُلِّهِ لَمْ يَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ.

أَيْ: إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ بِعَدَمِ تَمَنِّيهِ فَلَنْ يَجْعَلَكُمْ تَنْجُونَ مِنْهُ وَهُوَ مُلَاقِيكُمْ لَا مَحَالَةَ، وَمُلَاقِيكُمْ بِمَعْنَى مُدْرِكُكُمْ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [٤ \ ٧٨] .

وَقَوْلِهِ: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [٣ \ ١٨٥] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>