وَالثَّالِثُ: تَهْدِيدُ الْكُفَّارِ بِأَنَّهُمْ سَيَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ وَصِحَّةَ مَا يُوعَدُ بِهِ الْكَافِرُ مِنْ عَذَابِ النَّارِ.
وَهَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ جَاءَتْ مُوَضَّحَةً فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي الْأَوَّلِ: وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [١٥ \ ٨٥] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ [٢٢ \ ٤٨] .
وَالصَّفْحُ: الْإِعْرَاضُ عَنِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالذَّنْبِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْعَفْوِ.
قَالُوا: لِأَنَّ الصَّفْحَ أَصْلُهُ مُشْتَقٌّ مِنْ صَفْحَةِ الْعُنُقِ، فَكَأَنَّهُ يُوَلِّي الْمُذْنِبَ بِصَفْحَةِ عُنُقِهِ مُعْرِضًا عَنْ عِتَابِهِ فَمَا فَوْقَهُ.
وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي: فَقَدْ بَيَّنَ - تَعَالَى - أَنَّهُ هُوَ شَأْنُ عِبَادِهِ الطَّيِّبِينَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدُهُمْ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [٢٥ \ ٦٣] . وَقَالَ - تَعَالَى -: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [٢٨ \ ٥٥] . وَقَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: إِنَّهُ قَالَ لَهُ أَبُوهُ: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا [١٩ \ ٤٦] . قَالَ لَهُ: سَلَامٌ عَلَيْكَ [١٩ \ ٤٧] .
وَمَعْنَى السَّلَامِ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ إِخْبَارُهُمْ بِسَلَامَةِ الْكُفَّارِ مِنْ أَذَاهُمْ، وَمِنْ مُجَازَاتِهِمْ لَهُمْ بِالسُّوءِ، أَيْ سَلِمْتُمْ مِنَّا لَا نُسَافِهُكُمْ، وَلَا نُعَامِلُكُمْ بِمِثْلِ مَا تُعَامِلُونَنَا.
وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّالِثُ الَّذِي هُوَ تَهْدِيدُ الْكُفَّارِ بِأَنَّهُمْ سَيَعْلَمُونَ الْحَقِيقَةَ - قَدْ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتِ كِتَابِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ [٣٨ \ ٨٨] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [٦ \ ٦٧] . وَقَوْلِهِ: كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ [٧٨ \ ٤ - ٥] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ [١٠٢ \ ٣ - ٤] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ [١٠٢ \ ٦ - ٧] . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute