وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا بِكَثْرَةٍ فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» ، وَسُورَةِ «النَّحْلِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى بَرَاهِينِ الْبَعْثِ، وَقَدَّمْنَا الْإِحَالَةَ عَلَى ذَلِكَ مِرَارًا.
وَأَمَّا الثَّانِي مِنْهَا وَهُوَ كَوْنُهُ يَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا فِي دَارِ الدُّنْيَا، فَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٌ كَثِيرَةٌ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [٤٣ \ ٨٠] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [٤٥ \ ٢٩] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [١٧ \ ١٣ - ١٤] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا الْآيَةَ [١٨ \ ٤٩] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [٥٠ \ ١٨] . وَقَدْ قَدَّمْنَا بَعْضَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا فِي سُورَةِ «الْكَهْفِ» .
وَأَمَّا الثَّالِثُ مِنْهَا وَهُوَ كَوْنُهُمْ تُكْتَبُ آثَارُهُمْ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ أَيْضًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَآثَارَهُمْ، فِيهِ وَجْهَانِ مِنَ التَّفْسِيرِ مَعْرُوفَانِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ.
الْأَوَّلُ مِنْهُمَا: أَنَّ مَعْنَى مَا قَدَّمُوا: مَا بَاشَرُوا فِعْلَهُ فِي حَيَاتِهِمْ، وَأَنَّ مَعْنَى آثَارَهَمْ: هُوَ مَا سَنُّوهُ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ سُنَّةٍ حَسَنَةٍ أَوْ سَيِّئَةٍ، فَهُوَ مِنْ آثَارِهِمُ الَّتِي يُعْمَلُ بِهَا بِعَدَهُمْ.
الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى آثَارَهُمْ: خُطَاهُمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَنَحْوُهَا مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ، وَكَذَلِكَ خُطَاهُمْ إِلَى الشَّرِّ، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبُ آثَارُكُمْ» ، يَعْنِي: خُطَاكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ إِلَى مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: فَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَ مَنْ أَضَلُّوهُمْ وَسَنُّوا لَهُمُ السُّنَنَ السَّيِّئَةَ ; كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ الْآيَةَ [١٦ \ ٢٥] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ [٢٩ \ ١٣] .
وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي سُورَةِ «النَّحْلِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ الْآيَةَ [١٦ \ ٢٥]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute