وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
وَجَارٍ سَارَ مُعْتَمِدًا إِلَيْنَا ... أَجَاءَتْهُ الْمَخَافَةُ وَالرَّجَاءُ
وَقَوْلُ حَسَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
إِذْ شَدَدْنَا شَدَّةً صَادِقَةً فَاجَأْنَاكُمْ ... إِلَى سَفْحِ الْجَبَلِ وَالْمَخَاضُ
: الطَّلْقُ، وَهُوَ وَجَعُ الْوِلَادَةِ، وَسُمِّيَ مَخَاضًا مِنَ الْمَخْضِ، وَهُوَ الْحَرَكَةُ الشَّدِيدَةُ لِشِدَّةِ تَحَرُّكِ الْجَنِينِ فِي بَطْنِهَا إِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ.
وَقَوْلُهُ: قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [١٩ \ ٢٣] ، تَمَنَّتْ أَنْ تَكُونَ قَدْ مَاتَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ تَكُنْ شَيْئًا يُذْكَرُ، فَإِذَا عَرَفْتَ مَعْنَى هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ هُنَا لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ حَمْلِهَا بِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ هَذَا الَّذِي تَنَحَّتْ عَنْهُمْ مِنْ أَجْلِهِ، وَتَمَنَّتْ مِنْ أَجْلِهِ أَنْ تَكُونَ مَاتَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَكَانَتْ نَسْيًا مَنْسِيًّا، وَهُوَ خَوْفُهَا مِنْ أَنْ يَتَّهِمُوهَا بِالزِّنَى، وَأَنَّهَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الْغُلَامِ مِنْ زِنًى - وَقَعَتْ فِيهِ أَوْ سَلِمَتْ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ كُلَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ كَيْفِيَّةَ حَمْلِهَا أَنَّهُ نَفَحَ فِيهَا فَوَصَلَ النَّفْخُ إِلَى فَرْجِهَا فَوَقَعَ الْحَمْلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا [٦٦ \ ١٢] ، وَقَالَ: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا الْآيَةَ [٢١ \ ٩١] ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ النَّفْخِ نَفْخُ جِبْرِيلَ فِيهَا بِإِذْنِ اللَّهِ فَحَمَلَتْ، كَمَا تَدُلُّ لِذَلِكَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا [١٩ \ ١٨] ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ إِسْنَادُ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا النَّفْخَ الْمَذْكُورَ لِنَفَسِهِ فِي قَوْلِهِ: فَنَفَخْنَا لِأَنَّ جِبْرِيلَ إِنَّمَا أَوْقَعَهُ بِإِذْنِهِ وَأَمْرِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَهُوَ تَعَالَى الَّذِي خَلَقَ الْحَمْلَ مِنْ ذَلِكَ النَّفْخِ، فَجِبْرِيلُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ الْحَمْلَ مِنْ ذَلِكَ النَّفْخِ وَمِنْ أَجْلِ كَوْنِهِ بِإِذْنِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَأَمْرِهِ تَعَالَى، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ النَّفْخُ الْمَذْكُورُ وَلَا وُجُودُ الْحَمْلِ مِنْهُ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ جَلَّ وَعَلَا - أَسْنَدَهُ إِلَى نَفْسِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ فَرْجَهَا الَّذِي نَفَخَ فِيهِ الْمَلَكُ هُوَ جَيْبُ دِرْعِهَا ظَاهِرُ السُّقُوطِ، بَلِ النَّفْخُ الْوَاقِعُ فِي جَيْبِ الدِّرْعِ وَصَلَ إِلَى الْفَرْجِ الْمَعْرُوفِ فَوَقَعَ الْحَمْلُ.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي خَافَتْ مِنْهُ وَهُوَ قَذْفُهُمْ لَهَا بِالْفَاحِشَةِ قَدْ وَقَعَتْ فِيهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَرَّأَهَا، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ عَنْهُمْ: قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا [١٩ \ ٢٧] ، يَعْنُونَ الْفَاحِشَةَ، وَقَوْلِهِ عَنْهُمْ، يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا [١٩ \ ٢٨] ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute