للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِخْوَانَنَا الْمُسْلِمِينَ مِنَ النَّارِ، وَمِمَّا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.

وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّ مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ يَصْلَى السَّعِيرَ، وَيَدْعُو الثُّبُورَ. وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا [٨٤ \ ١٠ - ١٢] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [١٧ \ ١٤] ، يَعْنِي أَنَّ نَفْسَهُ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَظْلِمْ، وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ إِلَّا مَا عَمِلَ ; لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَتَذَكَّرُ كُلَّ مَا عَمِلَ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِ عُمْرِهِ إِلَى آخِرِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ [٧٥ \ ١٣] .

وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ: أَنَّهُ إِنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِ شَهِدَتْ عَلَيْهِ جَوَارِحُهُ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [٣٦ \ ٦٥] ، وَقَوْلِهِ: وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [٤١ \ ٢٣] ، وَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [٧٥ \ ١٤ - ١٥] ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِهَذَا زِيَادَةُ إِيضَاحٍ فِي سُورَةِ الْقِيَامَةِ.

تَنْبِيهٌ

لَفْظَةُ «كَفَى» تُسْتَعْمَلُ فِي الْقُرْآنِ وَاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ اسْتِعْمَالَيْنِ:

تُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيَةً، وَهِيَ تَتَعَدَّى غَالِبًا إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَفَاعِلُ هَذِهِ الْمُتَعَدِّيَةِ لَا يَجُرُّ بِالْبَاءِ، كَقَوْلِهِ: وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ [٣٣ \ ٢٥] ، وَكَقَوْلِهِ: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ الْآيَةَ [٣٩ \ ٣٦] ، وَقَوْلِهِ: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ الْآيَةَ [٢ \ ١٣٧] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَتَسْتَعْمِلُ لَازِمَةً، وَيَطَّرِدُ جَرُّ فَاعِلِهَا بِالْبَاءِ الْمَزِيدَةِ لِتَوْكِيدِ الْكِفَايَةِ كَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [١٧ \ ١٤] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا، وَقَوْلِهِ: وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَيَكْثُرُ إِتْيَانُ التَّمْيِيزِ بَعْدَ فَاعِلِهَا الْمَجْرُورِ بِالْبَاءِ، وَزَعَمَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ: أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>