ثُمَّ قَالَ: النَّوْعُ الثَّالِثُ: تَخَلُّفُ حُكْمِهَا عَنْهَا لَا لِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَمَثَّلَ لَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ [٥٩ \ ٣] ، قَالُوا: فَهَذِهِ الْعِلَّةُ، الَّتِي هِيَ مُشَاقَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، قَدْ تُوجَدُ فِي قَوْمٍ يُشَاقُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مَعَ تَخَلُّفِ حُكْمِهَا عَنْهَا، وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنِ النَّقْضَ فِي فَنِّ الْأُصُولِ تَخْصِيصٌ لِلْعِلَّةِ مُطْلَقًا، لَا نَقْضٌ لَهَا، وَعَزَاهُ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ لِلْأَكْثَرِينَ فِي قَوْلِهِ فِي مَبْحَثِ الْقَوَادِحِ فِي الدَّلِيلِ فِي الْأُصُولِ:
مِنْهَا وُجُودُ الْوَصْفِ دُونَ الْحُكْمِ ... سَمَّاهُ بِالنَّقْضِ وُعَاةُ الْعِلْمِ
وَالْأَكْثَرُونَ عِنْدَهُمْ لَا يَقْدَحُ ... بَلْ هُوَ تَخْصِيصٌ وَذَا مُصَحِّحٌ
إِلَى قَوْلِهِ:
وَلَسْتُ فِيمَا اسْتَنْبَطْتُ بِضَائِرٍ ... إِنْ جَاءَ لِفَقْدِ شَرْطٍ أَوْ لِمَانِعٍ
وَقَدْ أَطْلَعَنِي بَعْضُ الْإِخْوَانِ عَلَى شَرْحٍ لِفَضِيلَةِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَرَاقِي السُّعُودِ فِي أَوَائِلِهِ عَلَى قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ:
ذُو فَتْرَةٍ بِالْفَرْعِ وَلَا يُرَاعِ
وَتَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ أَهْلِ الْفَتْرَةِ، ثُمَّ عَلَى تَخْصِيصِ بَعْضِ الْآيَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ إِلَى تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ.
وَجَاءَ فِي هَذَا الْمَخْطُوطِ مَا نَصُّهُ: وَرَجَّحَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ «الْحَشْرِ» أَنَّ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ كَتَخْصِيصِ النَّصِّ مُطْلَقًا، مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ الْآيَةَ [٥٩ \ ٣] ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُ بَنِي النَّضِيرِ، فَلَمْ يَفْعَلْ لَهُمْ مِثْلَ مَا فَعَلَ لَهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
إِلَّا أَنِّي طَلَبْتُ هَذَا التَّرْجِيحَ فِي ابْنِ كَثِيرٍ عِنْدَ الْآيَةِ، فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَلَعَلَّهُ فِي غَيْرِ التَّفْسِيرِ.
أَمَّا مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنِ الْبَعْضِ فِي آدَابِ الْبَحْثِ وَالْمُنَاظَرَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ: قَدْ يَتَخَلَّفُ الْحُكْمُ عَنِ الْعِلَّةِ، لَا لِشَيْءٍ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرْنَا، فَالَّذِي يَظْهَرُ لِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ عَنِ الْعِلَّةِ فِي غَيْرِ الْيَهُودِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِتَخَلُّفِ جُزْءٍ مِنْهَا، وَأَنَّ الْعِلَّةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute