وَانْتَفَى بَعْدَ انْفِسَاخِهِ، وَفِي الثَّانِي لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ أَصْلًا نَظِيرُهُ مَنْ اشْتَرَى دَارًا فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي حَتَّى انْفَسَخَ الْبَيْعُ لَا تَبْطُلُ شُفْعَةُ الشَّفِيعِ الَّذِي كَانَ ثَبَتَ بِالْبَيْعِ، وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّ بَدَلَ الدَّارِ كَانَ حُرًّا ظَهَرَ أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْبَيْعَ مَا كَانَ مُنْعَقِدًا، وَفِي بَابِ الْفَسْخِ لَا يَظْهَرُ، فَكَذَا هَهُنَا وَيُعِيدُ السَّجْدَتَيْنِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ وَأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ جَابِرًا قَبْلَ السَّلَامِ فَفِي وَسَطِ الصَّلَاةِ أَوْلَى، فَيُعَادُ لِتَحْقِيقِ مَا شُرِعَ لَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ حَيْثُ تَصِحُّ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ بَاقِيَةٌ بِيَقِينٍ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: لَا تَوَقُّفَ فِي الْخُرُوجِ عَنْ التَّحْرِيمَةِ بِسَلَامِ السَّهْوِ عِنْدَهُمَا بَلْ يَخْرُجُ جَزْمًا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ، وَإِنَّمَا التَّوَقُّفُ فِي عَوْدِ التَّحْرِيمَةِ ثَانِيًا إنْ عَادَ إلَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ يَعُودُ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا أَسْهَلُ لِتَخْرِيجِ الْمَسَائِلِ، وَمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّوَقُّفَ فِي بَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ وَبُطْلَانِهَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ تَحْرِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا بَطَلَتْ لَا تَعُودُ إلَّا بِالْإِعَادَةِ وَلَمْ تُوجَدْ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.
(وَالثَّانِي) وُجُودُ الْإِقَامَةِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ: وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ الْأَصْلُ مُقِيمًا فَيَصِيرَ التَّبَعُ أَيْضًا مُقِيمًا بِإِقَامَةِ الْأَصْلِ، كَالْعَبْدِ يَصِيرُ مُقِيمًا بِإِقَامَةِ مَوْلَاهُ، وَالْمَرْأَةِ بِإِقَامَةِ زَوْجِهَا، وَالْجَيْشِ بِإِقَامَةِ الْأَمِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي التَّبَعِ ثَبَتَ بِعِلَّةِ الْأَصْلِ وَلَا تُرَاعَى لَهُ عِلَّةٌ عَلَى حِدَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ جَعْلِ التَّبَعِ أَصْلًا وَأَنَّهُ قَلْبُ الْحَقِيقَةِ (وَأَمَّا) الْغَرِيمُ مَعَ صَاحِبِ الدَّيْنِ: فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي السَّفَرِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَدْيُونُ مَلِيًّا فَالْمُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ وَلَا يَصِيرُ تَبَعًا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَخْلِيصُ نَفْسِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ مُفْلِسًا فَالْمُعْتَبَرُ نِيَّةُ صَاحِبِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ مُلَازَمَتِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَ الدَّيْنِ، فَكَانَتْ نِيَّتُهُ لَغْوًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، ثُمَّ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ إنَّمَا يَصِيرُ التَّبَعُ مُقِيمًا بِإِقَامَةِ الْأَصْلِ وَتَنْقَلِبُ صَلَاتُهُ أَرْبَعًا إذَا عَلِمَ التَّبَعُ بِنِيَّةِ إقَامَةِ الْأَصْلِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا، حَتَّى لَوْ صَلَّى التَّبَعُ صَلَاةَ الْمُسَافِرِينَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِنِيَّةِ إقَامَةِ الْأَصْلِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ وَإِنَّهُ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ فِي اللُّزُومِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ ضَرَرًا فِي حَقِّهِ وَحَرَجًا، وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ عَزْلُ الْوَكِيلِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ كَذَا هَذَا، وَعَلَى هَذَا يُبْنَى أَيْضًا اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ فِي الْوَقْتِ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَيَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَنْقَلِبُ وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَصَاعِدًا يَنْقَلِبْ فَرْضُهُ أَرْبَعًا وَإِنْ أَدْرَكَ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَا يَنْقَلِبُ بِأَنْ اقْتَدَى بِهِ فِي السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ بَعْدَ مَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْهَا، وَالصَّحِيحُ: قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اقْتَدَى بِهِ صَارَ تَبَعًا لَهُ؛ لِأَنَّ مُتَابَعَتَهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ.
قَالَ ﷺ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» وَالْأَدَاءُ " أَعْنِي الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ " مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ إلَى الْكَمَالِ إذَا وُجِدَ دَلِيلُ التَّغْيِيرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَتَغَيَّرُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي الْوَقْتِ؟ وَقَدْ وُجِدَ هَهُنَا دَلِيلُ التَّغْيِيرِ " وَهُوَ التَّبَعِيَّةُ "، فَيَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا فَصَارَ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي مِثْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَصَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَدَى بِهِ خَارِجَ الْوَقْتِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ خَارِجَ الْوَقْتِ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ وَأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْأَدَاءِ، وَالْأَدَاءُ لَمْ يَتَغَيَّرْ لِعَدَمِ دَلِيلِ التَّغْيِيرِ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْقَضَاءُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَإِذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ فَرْضُهُ بِالِاقْتِدَاءِ بَقِيَتْ صَلَاتُهُ رَكْعَتَيْنِ، وَالْقَعْدَةُ فَرْضٌ فِي حَقِّهِ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَلَوْ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ كَانَ هَذَا اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ فِي رُكْنٍ مِنْهَا، وَمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ فَوُجُودُ الْمُغَيِّرِ فِي جُزْئِهَا كَوُجُودِهِ فِي كُلِّهَا، وَلَوْ أَنَّ مُقِيمًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ فَلَمَّا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ جَاءَ مُسَافِرٌ وَاقْتَدَى بِهِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يَصِحُّ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ فَرْضَ الْمُسَافِرِ تَقَرَّرَ رَكْعَتَيْنِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَيَكُونُ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ فَإِنْ صَلَّاهُمَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ (وَأَمَّا) اقْتِدَاءُ الْمُقِيمِ بِالْمُسَافِرِ فَيَصِحُّ فِي الْوَقْتِ وَخَارِجَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ فِي الْحَالَتَيْنِ وَاحِدَةٌ، وَالْقَعْدَةُ فَرْضٌ فِي حَقِّهِ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي، وَاقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ جَائِزٌ فِي كُلِّ صَلَاةٍ فَكَذَا فِي بَعْضِهَا فَهُوَ الْفَرْقُ، ثُمَّ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ لَا يُسَلِّمُ الْمُقِيمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَرْطُ الصَّلَاةِ فَلَوْ سَلَّمَ لَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَلَكِنَّهُ يَقُومُ وَيُتِمُّهَا أَرْبَعًا لِقَوْلِهِ ﷺ أَتِمُّوا يَا أَهْلَ مَكَّةَ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ الْمُسَافِرِ إذَا سَلَّمَ أَنْ يَقُولَ لِلْمُقِيمِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute