قِيمَتِهِ أَوْ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ عَادَةً، أَوْ يَشْتَرِي مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ﵀ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْحُقُوقَ فِي بَابِ الْبَيْعِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ وَلِلْبَيْعِ حُقُوقٌ مُتَضَادَّةٌ مِثْلُ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَالْمُطَالَبَةِ، فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ مُسَلِّمًا وَمُتَسَلِّمًا طَالِبًا وَمُطَالَبًا، وَهَذَا مُحَالٌ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي بَابِ الْبَيْعِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاسْتِحَالَةِ.
وَيَصْلُحُ رَسُولًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ لَا تَلْزَمُهُ الْحُقُوقُ، فَلَا يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِحَالَةِ، وَكَدَا الْقَاضِي يَتَوَلَّى الْعَقْدَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي بَابِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ فَكَانَ سَفِيرًا مَحْضًا بِمَنْزِلَةِ الرَّسُولِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْلُهُ ﵎ ﴿وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الأنعام: ١٥٢] فَيَمْلِكُهُ الْأَبُ، وَكَذَا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ وَبِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ عَادَةً قَدْ يَكُونُ قُرْبَانًا عَلَى وَجْهِ الْأَحْسَنِ بِحُكْمِ الْحَالِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَبَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا فِي تِلْكَ الْحَالِ؛ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ فَكَانَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بِذَلِكَ قُرْبَانًا عَلَى وَجْهِ الْأَحْسَنِ، وَقَوْلُهُ يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِحَالَةِ قُلْنَا: مَمْنُوعٌ، فَإِنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّ الصَّبِيَّ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِنَفْسِهِ، وَهُوَ بَالِغٌ، فَتَعَدَّدَ الْعَاقِدُ حُكْمًا، فَلَا يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِحَالَةِ.
(وَأَمَّا) الْوَصِيُّ إذَا بَاعَ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ الصَّغِيرِ أَوْ اشْتَرَى مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفْعٌ ظَاهِرٌ؛ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَفْعٌ ظَاهِرٌ؛ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَهُ أَصْلًا مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ جَمِيعًا؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاسْتِحَالَةِ إلَّا أَنَّ الْأَبَ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ جَعَلَ شَخْصَهُ الْمُتَّحِدَ حَقِيقَةً مُتَعَدِّدًا ذَاتًا وَرَأْيًا وَعِبَارَةً، وَالْوَصِيُّ لَا يُسَاوِيهِ فِي الشَّفَقَةِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ﵄ أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ إذَا كَانَ فِيهِ نَفْعٌ ظَاهِرٌ لِلْيَتِيمِ قُرْبَانُ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَحْسَنِ فَيَمْلِكُهُ بِالنَّصِّ.
قَوْلُهُ لَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ الْوَصِيِّ بِالْأَبِ لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ، قُلْنَا: الْوَصِيُّ لَهُ شَبَهَانِ: شَبَهٌ بِالْأَبِ، وَشَبَهٌ بِالْوَكِيلِ، أَمَّا شَبَهُهُ بِالْوَكِيلِ فَلِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا، وَشَبَهُهُ بِالْأَبِ لِكَوْنِهِ مَرْضِيَّ الْأَبِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا رَضِيَ بِهِ إلَّا لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ عَلَى الصَّغِيرِ فَأَثْبَتْنَا لَهُ الْوِلَايَةَ عِنْدَ ظُهُورِ النَّفْعِ عَمَلًا بِشَبَهِ الْأَبِ وَقَطَعْنَا وِلَايَتَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ عَمَلًا بِشَبَهِ الْوَكِيلِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
[فَصْلٌ فِي الشَّرْط الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْعَقْدِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْعَقْدِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ مُوَافِقًا لِلْإِيجَابِ، بِأَنْ يَقْبَلَ الْمُشْتَرِي مَا أَوْجَبَهُ الْبَائِعُ وَبِمَا أَوْجَبَهُ، فَإِنْ خَالَفَهُ بِأَنْ قَبِلَ غَيْرَ مَا أَوْجَبَهُ أَوْ بَعْضَ مَا أَوْجَبَهُ أَوْ بِغَيْرِ مَا أَوْجَبَهُ أَوْ بِبَعْضِ مَا أَوْجَبَهُ؛ لَا يَنْعَقِدُ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ مُبْتَدَإٍ مُوَافِقٍ بَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ فِي الْعَبْدِ فَقَبِلَ فِي الْجَارِيَةِ، لَا يَنْعَقِدُ، وَكَذَا إذَا أَوْجَبَ فِي الْعَبْدَيْنِ فَقَبِلَ فِي أَحَدِهِمَا بِأَنْ قَالَ: بِعْتُ مِنْكَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: قَبِلْتُ فِي هَذَا الْعَبْدِ وَأَشَارَ إلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ فِي أَحَدِهِمَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ، وَالصَّفْقَةُ إذَا وَقَعَتْ مُجْتَمِعَةً مِنْ الْبَائِعِ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي تَفْرِيقَهَا قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ ضَمَّ الرَّدِيءِ إلَى الْجَيِّدِ تَرْوِيجًا لِلرَّدِيءِ بِوَاسِطَةِ الْجَيِّدِ فَلَوْ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي وِلَايَةُ التَّفْرِيقِ لَقَبِلَ فِي الْجَيِّدِ دُونَ الرَّدِيءِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْبَائِعُ، وَالضَّرَرُ مَنْفِيٌّ؛ وَلِأَنَّ غَرَضَ التَّرْوِيجِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَبُولِ فِيهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِالْقَبُولِ فِي أَحَدِهِمَا؛ وَلِأَنَّ الْقَبُولَ فِي أَحَدِهِمَا يَكُونُ إعْرَاضًا عَنْ الْجَوَابِ بِمَنْزِلَةِ الْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَكَذَا لَوْ أَوْجَبَ الْبَيْعَ فِي كُلِّ الْعَبْدِ، فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فِي نِصْفِهِ، لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَتَضَرَّرُ بِالتَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ عَيْبُ الشَّرِكَةِ، ثُمَّ إذَا قَبِلَ الْمُشْتَرِي بَعْضَ مَا أَوْجَبَهُ الْبَائِعُ؛ كَانَ هَذَا شِرَاءً مُبْتَدَأً مِنْ الْبَائِعِ، فَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ الْإِيجَابُ مِنْ الْبَائِعِ فِي الْمَجْلِسِ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ لِلْبَعْضِ الَّذِي قَبِلَهُ الْمُشْتَرِي حِصَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ الثَّمَنِ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا بَيَانُهُ إذَا قَالَ: بِعْتُ مِنْكَ هَذَيْنِ الْكُرَّيْنِ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فِي أَحَدِهِمَا وَأَوْجَبَ الْبَائِعُ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمَبِيعِ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ، فَكَانَ بَيْعُ الْكُرَّيْنِ بِعِشْرِينَ بَيْعَ كُلِّ كُرٍّ بِعَشَرَةٍ لِتَمَاثُلِ قُفْزَانِ الْكُرَّيْنِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: بِعْتُ مِنْكَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فِي أَحَدِهِمَا، وَبَيَّنَ ثَمَنَهُ فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُ يَجُوزُ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ ثَمَنَهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ ابْتَدَأَ الْبَائِعُ الْإِيجَابَ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُرَّيْنِ وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الْمُتَمَاثِلَةِ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الثَّمَنَ فِي الْمِثْلِيَّاتِ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمَبِيعِ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ فَكَانَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مَعْلُومًا، وَفِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ لَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى الْمَبِيعِ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ لِانْعِدَامِ تَمَاثُلِ الْأَجْزَاءِ وَإِذَا لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute