للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي القرينة الداخلة عَلَى وَصْفِ الْمُقَرِّ بِهِ فِي رُكْن الْإِقْرَار]

فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الَّذِي يَدْخُلُ عَلَى وَصْفِ الْمُقَرِّ بِهِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ مَعْلُومَ الْأَصْلِ مَجْهُولَ الْوَصْفِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ غَصَبَ مِنْ فُلَانٍ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً أَوْ ثَوْبًا مِنْ الْعُرُوضِ فَيُصَدَّقُ فِي الْبَيَانِ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ، سَلِيمًا كَانَ أَوْ مَعِيبًا؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ يُرَدُّ عَلَى السَّلِيمِ وَالْمَعِيبِ عَادَةً، وَقَدْ بَيَّنَ الْأَصْلَ، وَأَجْمَلَ الْوَصْفَ فَيَرْجِعُ فِي بَيَانِ الْوَصْفِ إلَيْهِ فَيَصِحُّ مُتَّصِلًا وَمُنْفَصِلًا، وَمَتَى صَحَّ بَيَانُهُ يَلْزَمُهُ الرَّدُّ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مَضْمُونٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.

وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي مِقْدَارِ قِيمَتِهِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْ فُلَانٍ دَارًا، وَقَالَ: هِيَ بِالْبَصْرَةِ، يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ أَجْمَلَ الْمَكَانَ فَكَانَ الْقَوْلُ فِي بَيَانِ الْمَكَانِ إلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الدَّارِ إلَيْهِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ بِأَنْ خُرِّبَتْ أَوْ قَالَ: هِيَ هَذِهِ الدَّارُ الَّتِي فِي يَدَيْ زَيْدٍ وَزَيْدٌ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - الْآخَر وَلَا يَضْمَنُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَضْمَنُ قِيمَةَ الدَّارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَقَارَ غَيْرُ مَضْمُونِ الْقِيمَةِ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ فَإِذَا أَقَرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ فَهَذَا فِي الْأَصْلِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْجِهَةِ وَإِمَّا إنْ بَيَّنَ الْجِهَةَ.

فَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ جِهَةً أَصْلًا وَقَالَ: هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ، فَإِنْ وَصَلَ يُصَدَّقُ، وَإِنْ فَصَلَ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الْجِيَادِ وَالزُّيُوفِ فَكَانَ قَوْلُهُ زُيُوفٌ بَيَانًا لِلنَّوْعِ إلَّا أَنَّهُ يَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا لِأَنَّهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تُصْرَفُ إلَى الْجِيَادِ فَكَانَ فَصْلُ الْبَيَانِ رُجُوعًا عَمَّا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يَصِحُّ وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ يُصَدَّقُ، وَصَلَ أَوْ فَصَلَ؛ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ الْوَدِيعَةِ، الْوَدِيعَةُ مَالٌ مَحْفُوظٌ عِنْدَ الْمُودَعِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ جَيِّدًا وَقَدْ يَكُونُ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً عَلَى حَسَبِ مَا يُودَعُ فَيُقْبَلُ بَيَانُهُ هَذَا إذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجِهَةَ أَمَّا إذَا بَيَّنَ الْجِهَةَ بِأَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثَمَنَ مَبِيعٍ وَقَالَ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ فَلَا يُصَدَّقُ وَإِنْ وَصَلَ وَعَلَيْهِ الْجِيَادُ إذَا ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الْجِيَادَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إنْ وَصَلَ يُصَدَّقْ وَإِنْ فَصَلَ لَا يُصَدَّقْ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا مَا ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَقَعُ عَلَى الزُّيُوفِ كَمَا يَقَعُ عَلَى الْجِيَادِ إذْ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ وَالزِّيَافَةُ عَيْبٌ فِيهَا، وَاسْمُ كُلِّ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى السَّلِيمِ وَالْمَعِيبِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْجِنْسِ لَكِنْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ فَيَصِحُّ بَيَانُهُ مَوْصُولًا لِوُقُوعِهِ تَعْيِينَا لِبَعْضِ مَا يَحْتَمِلهُ اللَّفْظُ وَلَا يَصِحُّ مَفْصُولًا لِكَوْنِهِ رُجُوعًا عَنْ الْإِقْرَارِ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - أَنَّ قَوْلَهُ هِيَ زُيُوفٌ بَعْدَ النِّسْبَةِ إلَى ثَمَنِ الْمَبِيعِ رُجُوعٌ عَنْ الْإِقْرَارِ فَلَا يَصِحُّ بَيَانُهُ أَنَّ الْبَيْعَ عَقْدُ مُبَادَلَةٍ فَيَقْتَضِي سَلَامَةَ الْبَدَلَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَرْضَى إلَّا بِالْبَدَلِ السَّلِيمِ فَكَانَ إقْرَارُهُ بِكَوْنِ الدَّرَاهِمِ ثَمَنًا إقْرَارًا بِصِفَةِ السَّلَامَةِ فَإِخْبَارُهُ عَنْ الزِّيَافَةِ يَكُونُ رُجُوعًا فَلَا يَصِحُّ، كَمَا إذَا قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ لَا يُصَدَّقُ وَإِنْ وَصَلَ، كَذَا هَذَا وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَرْضًا، وَقَالَ هِيَ زُيُوفٌ، فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْبَيْعِ إنْ وَصَلَ يُصَدَّقْ وَإِنْ فَصَلَ لَا يُصَدَّقْ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْقَرْضَ فِي الْحَقِيقَةِ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ كَالْبَيْعِ فَكَانَ فِي اسْتِدْعَاءِ صِفَةِ السَّلَامَةِ كَالْبَيْعِ (وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الْقَرْضَ يُشْبِهُ الْغَصْبَ لِأَنَّهُ يَتِمُّ بِالْقَبْضِ كَالْغَصْبِ ثُمَّ بَيَانُ الزِّيَافَةِ مَقْبُولٌ فِي الْغَصْبِ، كَذَا فِي الْقَرْضِ وَيُشْبِهُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَالٍ بِمَالٍ فَلِشَبَهِهِ بِالْغَصْبِ احْتَمَلَ الْبَيَانَ فِي الْجُمْلَةِ وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْعِ شَرَطْنَا الْوَصْلَ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَلَوْ قَالَ: غَصَبَ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ يُصَدَّقُ سَوَاءٌ وَصَلَ أَوْ فَصَلَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إذَا فَصَلَ، وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ فِي الْأَجْوَدِ لَا يَسْتَدْعِي صِفَةَ السَّلَامَةِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَرِدُ عَلَى السَّلِيمِ يَرِدُ عَلَى الْمَعِيبِ عَلَى حَسَبِ مَا يَتَّفِقُ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلْبَيَانِ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا لِانْعِدَامِ مَعْنَى الرُّجُوعِ فِيهِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ غَصْبُ عَبْدٍ بِأَنْ قَالَ: غَصَبْتُ مِنْ فُلَانٍ عَبْدًا ثُمَّ قَالَ: غَصَبْتُهُ وَهُوَ مَعِيبٌ، يُصَدَّقُ وَإِنْ فَصَلَ، كَذَا هَذَا وَلَوْ قَالَ: أَوْدَعَنِي فُلَانٌ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ هِيَ زُيُوفٌ يُصَدَّقُ بِلَا خِلَافٍ فَصَلَ أَوْ وَصَلَ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ اسْتِحْفَاظُ الْمَالِ، وَكَمَا يُسْتَحْفَظُ السَّلِيمُ يُسْتَحْفَظُ الْمَعِيبُ فَكَانَ الْإِخْبَارُ عَنْ الزِّيَافَةِ بَيَانًا مَحْضًا فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ الْوَصْلُ لِانْعِدَامِ تَضَمُّنِ مَعْنَى الرُّجُوعِ وَأَبُو يُوسُفَ Object عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَبَيْنَ الْغَصْب حَيْثُ صَدَّقَهُ فِي الْوَدِيعَةِ مَوْصُولًا كَانَ الْبَيَانُ أَوْ مَفْصُولًا وَلَمْ يُصَدِّقْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>