[كِتَابُ الرَّضَاعِ] [فَصْلٌ فِي الْمُحْرِمَات بِالرَّضَاعِ]
قَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ نِكَاحًا عَلَى التَّأْبِيدِ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: مُحَرَّمَاتٌ بِالْقَرَابَةِ، وَمُحَرَّمَاتٌ بِالصِّهْرِيَّةِ، وَمُحَرَّمَاتٌ بِالرَّضَاعِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمُحَرَّمَاتِ بِالْقَرَابَةِ وَالصِّهْرِيَّةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَهَذَا الْكِتَابُ وُضِعَ لِبَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالرَّضَاعِ وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ يَقَعُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا فِي.
بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالرَّضَاعِ، وَالثَّانِي: فِي بَيَانِ صِفَةِ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ، وَالثَّالِثُ: فِي بَيَانِ مَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّضَاعُ (فَصْلٌ) :
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَحْرُمُ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ مِنْ الْفِرَقِ السَّبْعِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ ﷿ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ؛ يَحْرُمُ بِسَبَبِ الرَّضَاعَةِ إلَّا أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي جَانِبِ الْمُرْضِعَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَفِي جَانِبِ زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا.
أَمَّا تَفْسِيرُ الْحُرْمَةِ فِي جَانِبِ الْمُرْضِعَةِ فَهُوَ أَنَّ الْمُرْضِعَةَ تَحْرُمُ عَلَى الْمُرْضَعِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمًّا لَهُ بِالرَّضَاعِ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ ﷿ ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] مَعْطُوفًا عَلَى قَوْله تَعَالَى ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] فَسَمَّى ﷾ الْمُرْضِعَةَ أُمَّ الْمُرْضَعِ وَحَرَّمَهَا عَلَيْهِ، وَكَذَا بَنَاتُهَا يَحْرُمْنَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كُنَّ مِنْ صَاحِبِ اللَّبَنِ أَوْ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ اللَّبَنِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُنَّ وَمَنْ تَأَخَّرَ؛ لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ ﷿ ﴿وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾ [النساء: ٢٣] أَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى الْأُخُوَّةَ بَيْنَ بَنَاتِ الْمُرْضِعَةِ وَبَيْنَ الْمُرْضَعِ وَالْحُرْمَةَ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أُخْتٍ وَأُخْتٍ، وَكَذَا بَنَاتُ بَنَاتِهَا وَبَنَاتُ أَبْنَائِهَا وَإِنْ سَفَلْنَ؛ لِأَنَّهُنَّ بَنَاتُ أَخِ الْمُرْضَعِ وَأُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَهُنَّ يَحْرُمْنَ مِنْ النَّسَبِ كَذَا مِنْ الرَّضَاعَةِ.
وَلَوْ أَرْضَعَتْ امْرَأَةٌ صَغِيرَيْنِ مِنْ أَوْلَادِ الْأَجَانِبِ صَارَا أَخَوَيْنِ لِكَوْنِهِمَا مِنْ أَوْلَادِ الْمُرْضِعَةِ فَلَا يَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أُنْثَى، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدٍ صَارَا أَخَوَيْنِ أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ أَخًا وَأُخْتًا مِنْ الرَّضَاعَةِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute