عَدَمُ وُصُولِ عِوَضِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي مَعَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ عِوَضُهُ بِأَنْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ فِي يَدِهِ خَطَأً لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ حَقِيقَةُ الْعَيْبِ وَإِنَّمَا وَصَلَ إلَيْهِ قِيمَةُ الْمَعِيبِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمِقْدَارِ الْعَيْبِ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إلَيْهِ قِيمَتُهُ قَامَتْ الْقِيمَةُ مَقَامَ الْعَيْنِ فَكَأَنَّهَا قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ لَمَّا وَصَلَ إلَيْهِ عِوَضُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَهُ وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ، كَذَا هَذَا.
وَمِنْهَا عَدَمُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ صَرِيحًا وَدَلَالَةً وَهِيَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ تَصَرُّفًا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ ثُبُوتَ حَقِّ الرَّدِّ وَالرُّجُوعِ جَمِيعًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي هِيَ دَلِيلُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا يَمْنَعُ الرَّدَّ ثُمَّ عَلِمَ فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ مَا لَا يُخْرِجُ السِّلْعَةَ عَنْ مِلْكِهِ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا الْكِتَابَةَ لِانْعِدَامِ دَلَالَةِ الرِّضَا، وَفِي الْكِتَابَةِ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ عَلَى مَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ مِمَّا يُخْرِجُ السِّلْعَةَ عَنْ مِلْكِهِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ إلَّا الْإِعْتَاقُ لَا عَلَى مَالٍ اسْتِحْسَانًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ.
(وَأَمَّا) بَيَانُ مَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الرُّجُوعِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَمَا لَا يَبْطُلُ:.
فَحَقُّ الرُّجُوعِ يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ نَحْوَ قَوْلِهِ: أَبْطَلْته أَوْ أَسْقَطْته أَوْ أَبْرَأْتُك عَنْهُ، وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّجُوعِ حَقُّهُ كَخِيَارِ الرَّدِّ لِثُبُوتِهِ بِالشَّرْطِ وَهِيَ السَّلَامَةُ الْمَشْرُوطَةُ فِي الْعَقْدِ دَلَالَةً، بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَالْإِنْسَانُ بِسَبِيلٍ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّهِ اسْتِيفَاءً وَإِسْقَاطًا وَيَسْقُطُ أَيْضًا بِالرِّضَا بِالْعَيْبِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: صَرِيحٌ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ، وَدَلَالَةٌ فَالصَّرِيحُ هُوَ أَنْ يَقُولَ: رَضِيت بِالْعَيْبِ الَّذِي بِهِ أَوْ اخْتَرْت أَوْ أَجَزْت الْبَيْعَ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ، وَالدَّلَالَةُ هِيَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ تَصَرُّفًا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْعَيْبِ، كَمَا إذَا انْتَقَصَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَامْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبِ النُّقْصَانِ وَوَجَبَ الْأَرْشُ ثُمَّ تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِأَنْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ أَوْ اسْتَوْلَدَ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ الْمُخْرِجَ عَنْ الْمِلْكِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ دَلَالَةُ الْإِمْسَاكِ عَنْ الرَّدِّ، وَذَا دَلِيلُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ فَيَبْطُلُ حَقُّ الرُّجُوعِ وَلَوْ امْتَنَعَ الرَّدُّ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ كَالْوَلَدِ وَغَيْرِهِ، أَوْ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِ الْأَصْلِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْهُ كَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ، وَالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالصَّبْغِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ بَلْ يَبْقَى الْأَرْشُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَقَعْ دَلَالَةً عَلَى الْإِمْسَاكِ عَنْ الرَّدِّ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ خِيَارُ الِاسْتِرْدَادِ بِأَنْ يَقُولَ أَنَا أَقْبَلُهُ كَذَلِكَ مَعَ الْعَيْبِ وَأَرُدُّ إلَيْك جَمِيعَ الثَّمَنِ؟ وَإِذَا كَانَ الرَّدُّ مُمْتَنِعًا قَبْلَ التَّصَرُّفِ لَمْ يَكُنْ هُوَ بِالتَّصَرُّفِ مُمْسِكًا عَنْ الرَّدِّ فَلَا يَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا فَبَقِيَ الْأَرْشُ وَاجِبًا كَمَا كَانَ.
بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَكُنْ الرَّدُّ مُمْتَنِعًا حَتْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْبَلَهُ نَاقِصًا مَعَ الْعَيْبِ؟ فَكَانَ الْمُشْتَرِي بِتَصَرُّفِهِ مُفَوِّتًا عَلَى نَفْسِهِ حَقَّ الرَّدِّ فَكَانَ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ بِفِعْلِهِ مُمْسِكًا إيَّاهُ عَنْ الرَّدِّ وَأَنَّهُ دَلِيلُ الرِّضَا بِالْعَيْبِ فَيَبْطُلُ حَقُّ الرُّجُوعِ فَصَارَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ وُجُوبَ الْأَرْشِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا عَلَى سَبِيلِ الْحَتْمِ وَالْإِلْزَامِ بَلْ كَانَ خِيَارُ الِاسْتِرْدَادِ لِلْبَائِعِ مَعَ الْعَيْبِ فَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ تَصَرُّفًا مُخْرِجًا عَنْ الْمِلْكِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْأَرْشِ، وَإِنْ كَانَ وُجُوبُهُ ثَابِتًا حَتْمًا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ خِيَارُ الِاسْتِرْدَادِ فَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي لَا يُبْطِلُ الْأَرْشَ (وَجْهُ) الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا بَيَانُ طَرِيقِ مَعْرِفَةِ نُقْصَانِ الْعَيْبِ فَطَرِيقُهُ أَنْ تُقَوَّمَ السِّلْعَةُ وَلَيْسَ بِهَا ذَلِكَ الْعَيْبُ وَتُقَوَّمَ وَبِهَا ذَلِكَ؛ فَيُنْظَرُ إلَى نُقْصَانِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ؛ فَيُرْجَعُ عَلَى بَائِعِهِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ ثَمَنِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ قَدْرَ عُشْرِ الْقِيمَةِ يُرْجَعُ عَلَى بَائِعِهِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ قَدْرَ خُمْسِهَا يُرْجَعُ بِخُمْسِ الثَّمَنِ مِثَالُهُ: إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ يُنْقِصُهُ عُشْرَ قِيمَتِهِ - وَهُوَ دِرْهَمٌ - يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا قِيمَتُهُ عِشْرُونَ بِعَشَرَةٍ فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ يُنْقِصُهُ عُشْرَ الْقِيمَةِ - وَذَلِكَ دِرْهَمَانِ - فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَذَلِكَ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةً وَقَدْ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ، وَالْعَيْبُ يُنْقِصُهُ عُشْرَ الْقِيمَةِ - وَذَلِكَ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ - يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ وَذَلِكَ دِرْهَمَانِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
[خِيَار الرُّؤْيَة]
(وَأَمَّا) الْخِيَارُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute