للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ وَبَعْدَهُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَسْقُطُ بِالْهَلَاكِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ وَالْمَسْأَلَةُ قَدْ مَضَتْ.

وَمِنْهَا الرِّدَّةُ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الرِّدَّةُ لَا تُسْقِطُ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَجِبُ.

وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَكِنْ بِتَقْدِيمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَإِذَا أَسْلَمَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ كَالْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ أَنَّهُمَا قَادِرَانِ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَكِنْ بِوَاسِطَةِ الطَّهَارَةِ فَإِذَا وُجِدَتْ الطَّهَارَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْأَدَاءُ كَذَا هَذَا، وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَلِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ فَلَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا فَتَسْقُطُ عَنْهُ بِالرِّدَّةِ وَمَا ذُكِرَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْأَدَاءِ بِتَقْدِيمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ كَلَامٌ فَاسِدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ جَعْلِ الْأَصْلِ تَبَعًا لِتَبَعِهِ وَجَعْلِ التَّبَعِ أَصْلًا لِمَتْبُوعِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ.

وَمِنْهَا مَوْتُ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَسْقُطُ وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ، أَوْصَى بِالْأَدَاءِ وَإِمَّا أَنْ كَانَ لَمْ يُوصِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُوصِ تَسْقُطُ عَنْهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا حَتَّى لَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَلَا يُؤْمَرُ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ بِالْأَدَاءِ مِنْ تَرِكَتِهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ، أَوْ النَّذْرُ، أَوْ الْكَفَّارَاتُ، أَوْ الصَّوْمُ، أَوْ الصَّلَاةُ، أَوْ النَّفَقَاتُ، أَوْ الْخَرَاجُ، أَوْ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ يُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَتِهِ.

وَإِنْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْعُشْرُ فَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ قَائِمًا فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْقُطُ وَلَوْ كَانَ اسْتَهْلَكَ الْخَارِجَ حَتَّى صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَ، أَوْصَى بِالْأَدَاءِ لَا يَسْقُطُ وَيُؤَدَّى مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَالْكَلَامُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ عِنْدَنَا وَالْعِبَادَةُ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِاخْتِيَارِ مَنْ عَلَيْهِ إمَّا بِمُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِأَمْرِهِ، أَوْ إنَابَتِهِ غَيْرَهُ فَيَقُومُ النَّائِبُ مَقَامَهُ فَيَصِيرُ مُؤَدِّيًا بِيَدِ النَّائِبِ، وَإِذَا، أَوْصَى فَقَدْ أَنَابَ وَإِذَا لَمْ يُوصِ فَلَمْ يُنِبْ، فَلَوْ جَعَلَ الْوَارِثُ نَائِبًا عَنْهُ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ إنَابَتِهِ لَكَانَ ذَلِكَ إنَابَةً جَبْرِيَّةً وَالْجَبْرُ يُنَافِي الْعِبَادَةَ إذْ الْعِبَادَةُ فِعْلٌ يَأْتِيهِ الْعَبْدُ بِاخْتِيَارِهِ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ الزَّكَاةَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ جَبْرًا، وَلَوْ أَخَذَ لَا تَسْقُط عَنْهُ الزَّكَاةُ، وَالثَّانِي أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَابِلُهَا عِوَضٌ مَالِيٌّ، وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَالْعُشْرُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ وَكَمَا ثَبَتَ ثَبَتَ مُشْتَرَكًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] أَضَافَ الْمُخْرَجَ إلَى الْكُلِّ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ جَمِيعًا فَإِذَا ثَبَتَ مُشْتَرَكًا فَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَعِنْدَهُ الزَّكَاةُ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْفَقِيرُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الدُّيُونِ وَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ كَذَا هَذَا.

وَلَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْحَوْلِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْقَطِعُ بَلْ يَبْنِي الْوَارِثُ عَلَيْهِ فَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ أَدَّى الزَّكَاةَ، وَالْكَلَامُ فِيهِ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ أَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ عِنْدَنَا فَيُعْتَبَرُ فِيهِ جَانِبُ الْمُؤَدِّي وَهُوَ الْمَالِكُ وَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ بِمَوْتِهِ فَيَنْقَطِعُ حَوْلُهُ، وَعِنْدَهُ لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ بَلْ هِيَ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ نَفْسِ الْمِلْكِ وَأَنَّهُ قَائِمٌ إذْ الْوَارِثُ يَخْلُفُ الْمُورَثَ فِي عَيْنِ مَا كَانَ لِلْمُورَثِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ زَكَاةُ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا زَكَاةُ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَهُوَ الْعُشْرُ فَالْكَلَامُ فِي هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ فِي.

بَيَانِ فَرْضِيَّتِهِ وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ، وَفِي بَيَانِ سَبَبِ الْفَرْضِيَّةِ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الْفَرْضِيَّةِ، وَفِي بَيَانِ الْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ، وَفِي بَيَانِ صِفَتِهِ، وَفِي بَيَانِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْأَخْذِ، وَفِي بَيَانِ وَقْتِ الْفَرْضِ، وَفِي بَيَانِ رُكْنِهِ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ، وَفِي بَيَانِ مَا يُسْقِطُهُ، وَفِي بَيَانِ مَا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ مِنْ الْأَمْوَالِ، وَفِي بَيَانِ مَصَارِفِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَالدَّلِيلُ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْمَعْقُولُ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ عَامَّةُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: إنَّ الْحَقَّ الْمَذْكُورَ هُوَ الْعُشْرُ، أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِإِيتَاءِ الْحَقِّ يَوْمَ الْحَصَادِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ زَكَاةَ الْحُبُوبِ لَا تُخْرَجُ يَوْمَ الْحَصَادِ بَلْ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ وَالْكَيْلِ لِيَظْهَرَ مِقْدَارُهَا فَيُخْرَجُ عُشْرُهَا فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ الْعُشْرِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَآتُوا حَقَّهُ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ يَوْمَ حَصَادِهِ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ فَكَانَ الْيَوْمُ ظَرْفًا لِلْحَقِّ لَا لِلْإِيتَاءِ.

عَلَى أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْخَضْرَاوَاتِ وَإِنَّمَا يُخْرَجُ الْحَقُّ مِنْهَا يَوْمَ الْحَصَادِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَلَا يُنْتَظَرُ شَيْءٌ آخَرُ فَثَبَتَ أَنَّ الْآيَةَ فِي الْعُشْرِ إلَّا أَنَّ مِقْدَارَ

<<  <  ج: ص:  >  >>