بِالْأُخْرَى فَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْأُولَى فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ فَالنِّصْفُ لِلْأَخِ الْمُنْكِرِ وَتُسْعَانِ لِلْأُولَى فَبَقِيَ هُنَاكَ الِابْنُ الْمَعْرُوفُ وَالْمَرْأَةُ الْأُخْرَى فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ دَفَعَ التُّسْعَيْنِ إلَى الْأُولَى بِالْقَضَاءِ يُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْهَالِكِ وَيُجْعَلُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى الْبَاقِي وَهُوَ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَ الِابْنِ الْمُقِرِّ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ الْأُخْرَى عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ: ثُمُنٌ مِنْ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ وَسَبْعَةٌ لِلِابْنِ الْمُقِرِّ وَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ يُعْطِي مِنْ التِّسْعَةِ الَّتِي هِيَ عِنْدَهُ سَهْمًا لِلْمَرْأَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ سُبُعُ نِصْفِ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ كَالْقَائِمِ عِنْدَهُ وَلَوْ كَانَ نِصْفُ الْمَالِ عِنْدَهُ قَائِمًا يُعْطِي الْأُخْرَى التُّسْعَ وَذَلِكَ سَهْمٌ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ ثُمُنُ الْمَالِ لِلْمَرْأَتَيْنِ جَمِيعًا، وَالثُّمُنُ هُوَ تُسْعَانِ تُسْعٌ لِلْأُولَى وَتُسْعٌ لِلْأُخْرَى إلَّا أَنَّ الْأُولَى ظَلَمَتْ حَيْثُ أَخَذَتْ زِيَادَةَ سَهْمٍ، وَذَلِكَ الظُّلْمُ حَصَلَ عَلَى الْأَخِ الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي دَفَعَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَيَدْفَعُ التُّسْعَ الثَّانِي إلَى الْأُخْرَى وَهُوَ سُبْعُ نِصْفِ الْمَالِ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَهُوَ سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنًا مَعْرُوفًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فِي يَدِهِ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَدَّقَهُ الِابْنُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَدَفَعَ إلَى الْغَرِيمِ ذَلِكَ ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ آخَرُ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَدَّقَهُ الِابْنُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءٍ لَمْ يَضْمَنْ لِلثَّانِي شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ فِي الدَّفْعِ مَجْبُورٌ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْهَالِكِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ يَضْمَنُ لِلثَّانِي نِصْفَ الْمَالِ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي الدَّفْعِ فَكَانَ إتْلَافًا فَيَضْمَنُ، كَمَا إذَا أَقَرَّ لَهُمَا ثُمَّ دَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ بِأَخٍ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَسْت بِأَخٍ لِي وَإِنَّمَا أَخِي هَذَا الرَّجُلُ الْآخَرُ وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ بِذَلِكَ وَكَذَّبَهُ فِي الْإِقْرَارِ الْأَوَّلُ، فَإِنْ كَانَ دَفَعَ النِّصْفَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءٍ يُشَارِكُهُ الثَّانِي فِيمَا فِي يَدِهِ فَيَقْتَسِمَانِ نِصْفَيْنِ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الدَّفْعَ بِقَضَاءٍ فِي حُكْمِ الْهَلَاكِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ يَدْفَعُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ نِصْفُ الْمَالِ إلَى الْآخَرِ لِمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَدَّقَهُ الْوَارِثُ وَدَفَعَ إلَيْهِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَادَّعَى رَجُلٌ آخَرُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَكَذَّبَهُ الْوَارِثُ وَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ الْأَوَّلُ وَأَنْكَرَ الْغَرِيمُ الثَّانِي دَيْنَ الْغَرِيمِ الْأَوَّلِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى إنْكَارِهِ وَيَقْتَسِمَانِ الْأَلْفَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْغَرِيمِ الثَّانِي إنَّمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْغَرِيمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ يُصَدِّقُهُ، وَهُوَ مَا أَقَرَّ لَهُ إلَّا بِالنِّصْفِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْغَرِيمُ الثَّانِي لِغَرِيمٍ ثَالِثٍ فَإِنَّ الْغَرِيمَ الثَّالِثَ يَأْخُذُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَأَنْتَ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ أَخًا لَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ اسْتِحْسَانًا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ قَالَ الْمُقِرُّ لِلْمُقَرِّ بِهِ: أَنَا وَأَنْتَ أَخَوَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَلِي عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ بِهِ الدَّيْنَ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الدَّيْنِ دَعْوَى أَمْرٍ عَارِضٍ مَانِعٍ مِنْ الْإِرْثِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ.
وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَصَدَّقَهُ الْوَارِثُ بِذَلِكَ وَدَفَعَ إلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ آخَرُ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ وَصَدَّقَهُمَا بِذَلِكَ الِابْنُ الْمَعْرُوفُ وَكَذَّبَاهُ فِيمَا أَقَرَّ فَإِنْ كَانَ دَفَعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الدَّافِعِ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ وَالْوَصِيَّةَ مُؤَخَّرَانِ عَنْ الدَّيْنِ فَإِقْرَارُهُ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ ثَبَاتِ النَّسَبِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ وَلَمْ يُوجَدْ الْمِيرَاثُ وَلَوْ أَقَرَّ لَهُمَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَدَفَعَ إلَيْهِمَا ثُمَّ أَقَرَّ لِلْغَرِيمِ كَانَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يُضَمِّنَهُ مَا دَفَعَ إلَى الْأَوَّلَيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ فَإِذَا دَفَعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَقَدْ أَتْلَفَ عَلَى الْغَرِيمِ حَقَّهُ، وَإِنْ كَانَ الدَّفْعُ بِقَضَاءٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ ثَبَتَ الْوَصِيَّةُ أَوْ الْمِيرَاثُ بِالْبَيِّنَةِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ثُمَّ أَقَرَّ الْغَرِيمُ بِدَيْنِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلْغَرِيمِ فِيمَا دَفَعَهُ إلَى الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِيرَاثِ أَوْ الْوَصِيَّةِ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ أَوْ مُوصًى لَهُ فَالْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ حَقِّهِمَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْغَرِيمِ وَيُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى الدَّفْعِ إلَى الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ لِمَا قُلْنَا، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانُ مَا يَبْطُلُ بِهِ الْإِقْرَارُ بَعْدَ وُجُودِهِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَبْطُلُ بِهِ الْإِقْرَارُ بَعْدَ وُجُودِهِ فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: الْإِقْرَارُ بَعْدَ وُجُودِهِ يَبْطُلُ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا تَكْذِيبُ الْمُقَرِّ لَهُ فِي أَحَدِ نَوْعَيْ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُقِرِّ دَلِيلُ لُزُومِ الْمُقَرِّ بِهِ وَتَكْذِيبُ الْمُقِرِّ دَلِيلُ عَدَمِ اللُّزُومِ، وَاللُّزُومُ لَمْ يُعْرَفْ ثُبُوتُهُ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ.
وَالثَّانِي رُجُوعُ الْمُقِرِّ عَنْ إقْرَارِهِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ فِي أَحَدِ نَوْعَيْ الْإِقْرَارِ بِحُقُوقِ اللَّهِ ﵎ خَالِصًا كَحَدِّ الزِّنَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي الْإِنْكَارِ فَيَكُونُ كَاذِبًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute