[كِتَاب آدَاب الْقَاضِي] [بَيَانِ فَرْضِيَّةِ نَصْبِ الْقَاضِي]
الْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي مَوَاضِعَ، فِي بَيَانِ فَرْضِيَّةِ نَصْبِ الْقَاضِي، وَفِي بَيَانِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، وَفِي بَيَانِ مَنْ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ قَبُولُ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ جَوَازِ الْقَضَاءِ، وَفِي بَيَانِ آدَابِ الْقَضَاءِ، وَفِي بَيَانِ مَا يَنْفُذُ مِنْ الْقَضَايَا، وَمَا يُنْقَضُ مِنْهَا؛ إذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ، وَفِي بَيَانِ مَا يُحِلُّهُ الْقَاضِي وَمَا لَا يُحِلُّهُ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ خَطَأِ الْقَاضِي فِي الْقَضَاءِ، وَفِي بَيَانِ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْقَاضِي عَنْ الْقَضَاءِ.
(أَمَّا) الْأَوَّلُ فَنَصْبُ الْقَاضِي فَرْضٌ؛ لِأَنَّهُ يُنْصَبُ لِإِقَامَةِ أَمْرٍ مَفْرُوضٍ، وَهُوَ الْقَضَاءُ قَالَ اللَّهُ ﷾ ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ [ص: ٢٦] وَقَالَ ﵎ لِنَبِيِّنَا الْمُكَرِّمِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٨] وَالْقَضَاءُ هُوَ: الْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ، وَالْحُكْمُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﷿، فَكَانَ نَصْبُ الْقَاضِي؛ لِإِقَامَةِ الْفَرْضِ، فَكَانَ فَرْضًا ضَرُورَةً؛ وَلِأَنَّ نَصْبَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَرْضٌ، بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ، وَلَا عِبْرَةَ - بِخِلَافِ بَعْضِ الْقَدَرِيَّةِ -؛ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ﵃ عَلَى ذَلِكَ، وَلِمِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ لِتَقَيُّدِ الْأَحْكَامِ، وَإِنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ، وَقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ الَّتِي هِيَ مَادَّةُ الْفَسَادِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الَّتِي لَا تَقُومُ إلَّا بِإِمَامٍ، لِمَا عُلِمَ فِي أُصُولِ الْكَلَامِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِمَا نُصِبَ لَهُ بِنَفْسِهِ، فَيَحْتَاجُ إلَى نَائِبٍ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الْقَاضِي؛ وَلِهَذَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَبْعَثُ إلَى الْآفَاقِ قُضَاةً، فَبَعَثَ سَيِّدَنَا مُعَاذًا ﵁ إلَى الْيَمَنِ، وَبَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ إلَى مَكَّةَ، فَكَانَ نَصْبُ الْقَاضِي مِنْ ضَرُورَاتِ نَصْبِ الْإِمَامِ، فَكَانَ فَرْضًا» ، وَقَدْ سَمَّاهُ مُحَمَّدٌ فَرِيضَةً مُحْكَمَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ؛ لِكَوْنِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي عُرِفَ وُجُوبُهَا بِالْعَقْلِ، وَالْحُكْمُ الْعَقْلِيُّ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِسَاخَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute