الْأَوَّلِ وَزِيَادَةٍ كَأَنَّهُ بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقِيرَاطَيْنِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ وَطَرِيقُ جَوَازِهِ أَنْ يَكُونَ الْقِيرَاطَانِ بِمِثْلِهِمَا مِنْ الدِّينَارِ وَالْعَشَرَةِ بِبَقِيَّةِ الدِّينَارِ كَذَا هَذَا وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ فِي تَجْوِيزِ هَذَا تَغْيِيرُ الْمُرَابَحَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ جَعَلَا الْعَشَرَةَ رَأْسَ الْمَالِ وَالدَّرَاهِمَ رِبْحًا فَلَوْ جَوَّزْنَا عَلَى مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ لَصَارَ الْقِيرَاطُ رَأْسَ مَالٍ وَبَعْضُ الْعَشَرَةِ رِبْحًا وَفِيهِ تَغْيِيرُ الْمُقَابَلَةِ وَإِخْرَاجُهَا عَنْ كَوْنِهَا مُرَابَحَةً فَلَا يَصِحُّ وَلَوْ اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلَّى بِفِضَّةٍ وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِرِبْحِ دِرْهَمٍ أَوْ بِرِبْحِ دِينَارٍ أَوْ بِرِبْحِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَزِيَادَةِ رِبْحٍ، وَالرِّبْحُ يَنْقَسِمُ عَلَى كُلِّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ رِبْحَ كُلِّ الثَّمَنِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَنْقَسِمَ عَلَى كُلِّهِ لِيَكُونَ مُرَابَحَةً عَلَى كُلِّ الثَّمَنِ، وَمَتَى انْقَسَمَ عَلَى الْكُلِّ كَانَ لِلْحِلْيَةِ حِصَّةٌ مِنْ الرِّبْحِ لَا مَحَالَةَ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ صَحِيحًا فَإِنْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ وَإِنْ كَانَ يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ أَوْ بِمِثْلِهِ لَا بِالثَّمَنِ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ رَأْسِ الْمَالِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ رَأْسِ الْمَالِ فَرَأْسُ الْمَالِ مَا لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ بِالْعَقْدِ لَا مَا نَقَدَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَالثَّمَنُ الْأَوَّلُ هُوَ مَا وَجَبَ بِالْبَيْعِ فَأَمَّا مَا نَقَدَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَذَلِكَ وَجَبَ بِعَقْدٍ آخَرَ، وَهُوَ الِاسْتِبْدَالُ فَيَأْخُذُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي الْوَاجِبَ بِالْعَقْدِ لَا الْمَنْقُودَ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ التَّوْلِيَةُ، وَبَيَانُ هَذَا الْأَصْلِ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَنَقَدَ مَكَانَهَا دِينَارًا أَوْ ثَوْبًا فَرَأْسُ الْمَالِ هُوَ الْعَشَرَةُ لَا الدِّينَارُ وَالثَّوْبُ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ هِيَ الَّتِي وَجَبَتْ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا الدِّينَارُ أَوْ الثَّوْبُ بَدَلُ الثَّمَنِ الْوَاجِبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ جِيَادٍ وَنَقَدَ مَكَانهَا الزُّيُوفَ وَتَجَوَّزَ بِهَا الْبَائِعُ الْأَوَّلُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي نَقْدُ الْجِيَادِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ هِيَ خِلَافُ نَقْدِ الْبَلَدِ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً فَإِنْ ذَكَرَ الرِّبْحَ مُطْلَقًا بِأَنْ قَالَ: أَبِيعُكَ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَرِبْحِ دِرْهَمٍ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَشَرَةٌ مِنْ جِنْسِ مَا نَقَدَ، وَالرِّبْحُ مِنْ دَرَاهِمِ نَقْدِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ.
وَالثَّمَنُ الْأَوَّلُ هُوَ الْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَهُوَ عَشَرَةٌ، وَهِيَ خِلَافُ نَقْدِ الْبَلَدِ فَيَجِبُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي مِثْلُهَا، وَالرِّبْحُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الرِّبْحَ وَمَا أَضَافَهُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ نَقْدُ الْبَلَدِ، وَإِنْ أَضَافَ الرِّبْحَ إلَى الْعَشَرَةِ بِأَنْ قَالَ: أَبِيعُكَ بِرِبْحِ الْعَشَرَةِ أَوْ بِرِبْحِ ده يازده فَالْعَشَرَةُ وَالرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَمَّا إذَا قَالَ: بِرِبْحِ الْعَشَرَةِ فَلِأَنَّهُ أَضَافَ الرِّبْحَ إلَى تِلْكَ الْعَشَرَةِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهَا.
وَأَمَّا إذَا قَالَ: بِرِبْحِ ده يازده فَلِأَنَّهُ جَعَلَ الرِّبْحَ جُزْءًا مِنْ الْعَشَرَةِ فَكَانَ مِنْ جِنْسِهَا ضَرُورَةً وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا زَادَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ الْأَوَّلَ فِي الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَقَبِلَ أَنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً عَلَى الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ جَمِيعًا فَكَانَ الْأَصْلُ مَعَ الزِّيَادَةِ رَأْسِ الْمَالِ لِوُجُوبِهِمَا بِالْعَقْدِ تَقْدِيرًا فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَيْهِمَا.
وَكَذَا لَوْ حَطَّ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّانِي بَعْدَ الْحَطِّ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ أَيْضًا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَكَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الْحَطِّ رَأْسَ الْمَالِ وَهُوَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَيْهِ وَلَوْ حَطَّ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ عَنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ مَا بَاعَهُ الْمُشْتَرِي حَطَّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ ذَلِكَ الْقَدْرَ عَنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَطَّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَصِيرُ رَأْسُ الْمَالِ.
وَهُوَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ مَا وَرَاءَ قَدْرِ الْمَحْطُوطِ فَيَحُطُّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي ذَلِكَ الْقَدْرَ وَيَحُطُّ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ قَدْرَ الرِّبْحِ يَنْقَسِمُ عَلَى جَمِيعِ الثَّمَنِ، فَإِذَا حَطَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ لَا بُدَّ مِنْ حَطِّ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مُسَاوَمَةً ثُمَّ حَطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ أَنَّهُ لَا يَحُطُّ ذَلِكَ عَنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ أَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ بَاعَهُمَا مُسَاوَمَةً انْقَسَمَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا عَلَى الْقِيمَةِ نِصْفَيْنِ؟ وَلَوْ بَاعَهُمَا مُرَابَحَةً أَوْ تَوْلِيَةً انْقَسَمَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَثْلَاثًا لَا عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ دَلَّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ فَالْحَطُّ عَنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ يُوجِبُ الْحَطَّ عَنْ الثَّمَنِ الثَّانِي وَلَا يُوجِبُ فِي الْمُسَاوَمَةِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّمَنِ تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَكَذَا الْحَطُّ عَنْهُ وَيَصِيرُ كَأَنَّ الْعَقْدَ فِي الِابْتِدَاءِ وَقَعَ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute