للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمِنْهَا) : الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ، وَمُعَاوِيَةُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ، حَتَّى قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَعَلْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ دَوَاءً، وَطَهُورًا، وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ، وَيَقُولُ: إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ يَبْعَرُ بَعْرًا، وَأَنْتُمْ تَثْلِطُونَ ثَلْطًا فَأَتْبِعُوا الْحِجَارَةَ الْمَاءَ، وَهُوَ كَانَ مِنْ الْآدَابِ فِي عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ .

وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ تَوَضَّأَ، وَغَسَلَ مَقْعَدَهُ بِالْمَاءِ ثَلَاثًا» ، وَلَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨] فِي أَهْلِ قِبَا سَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ شَأْنِهِمْ، فَقَالُوا: إنَّا نُتْبِعُ الْحِجَارَةَ الْمَاءَ.

ثُمَّ صَارَ بَعْدَ عَصْرِهِ مِنْ السُّنَنِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ كَالتَّرَاوِيحِ، وَالسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ يَغْسِلَ بِيَسَارِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ «الْيَمِينُ لِلْوَجْهِ، وَالْيَسَارُ لِلْمَقْعَدِ» ، ثُمَّ الْعَدَدُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْإِنْقَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ الْغَسْلُ ثَلَاثًا يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مُوَسْوَسًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ عَلَى السَّبْعِ لِأَنَّ قَطْعَ الْوَسْوَسَةِ وَاجِبٌ، وَالسَّبْعُ هُوَ نِهَايَةُ الْعَدَدِ الَّذِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِي الْغَسْلِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ وُلُوغِ الْكَلْبِ.

مَطْلَبٌ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ

(وَأَمَّا) كَيْفِيَّةُ الِاسْتِنْجَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرْخِيَ نَفْسَهُ إرْخَاءً تَكْمِيلًا لِلتَّطْهِيرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْتَدِئَ بِأُصْبُعٍ، ثُمَّ بِأُصْبُعَيْنِ ثُمَّ بِثَلَاثٍ أَصَابِعَ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَنْدَفِعُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ تَنْجِيسُ الطَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِبُطُونِ الْأَصَابِعِ لَا بِرُءُوسِهَا كَيْلَا يُشْبِهَ إدْخَالَ الْأُصْبُعِ فِي الْعَوْرَةِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ.

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَفْعَلُ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَنْجِيَ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ؛ لِأَنَّ تَطْهِيرَ الْفَرْجِ الْخَارِجِ فِي بَابِ الْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ، وَالْجَنَابَةِ وَاجِبٌ، وَفِي بَابِ الْوُضُوءِ سُنَّةٌ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ.

(وَأَمَّا) الَّذِي هُوَ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ (فَمِنْهَا) : الْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ وَقَالَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: وَهُمَا فَرْضَانِ فِي الْوُضُوءِ، وَالْغَسْلِ جَمِيعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سُنَّتَانِ فِيهِمَا جَمِيعًا فَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ احْتَجُّوا بِمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِمَا فِي الْوُضُوءِ، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: الْأَمْرُ بِالْغَسْلِ عَنْ الْجَنَابَةِ يَتَعَلَّقُ بِالظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، وَدَاخِلُ الْأَنْفِ، وَالْفَمِ مِنْ الْبَوَاطِنِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ.

(وَلَنَا) أَنَّ الْوَاجِبَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَمَسْحُ الرَّأْسِ، وَدَاخِلُ الْأَنْفِ، وَالْفَمِ لَيْسَ مِنْ جُمْلَتِهَا أَمَّا مَا سِوَى الْوَجْهِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا الْوَجْهُ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُوَاجَهُ إلَيْهِ عَادَةً، وَدَاخِلُ الْأَنْفِ، وَالْفَمُ لَا يُوَاجَهُ إلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ، فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ، بِخِلَافِ بَابِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ تَطْهِيرُ الْبَدَنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦] ، أَيْ طَهِّرُوا أَبْدَانَكُمْ فَيَجِبُ غَسْلُ مَا يُمْكِن غَسْلُهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ ظَاهِرًا كَانَ أَوْ بَاطِنًا، وَمُوَاظَبَةُ النَّبِيِّ عَلَيْهِمَا فِي الْوُضُوءِ دَلِيلُ السُّنِّيَّةِ دُونَ الْفَرْضِيَّةِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى سُنَنِ الْعِبَادَاتِ.

(وَمِنْهَا) : التَّرْتِيبُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَهُوَ تَقْدِيمُ الْمَضْمَضَةِ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى التَّقْدِيمِ (وَمِنْهَا) : إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَاءٍ عَلَى حِدَةٍ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ السُّنَّةُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِمَاءٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِكَفِّهِ فَيَتَمَضْمَضُ بِبَعْضِهِ، وَيَسْتَنْشِقُ بِبَعْضِهِ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ «تَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ بِكَفٍّ وَاحِدٍ» .

(وَلَنَا) أَنَّ الَّذِينَ حَكَوْا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ أَخَذُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاءً جَدِيدًا؛ وَلِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ مُنْفَرِدَانِ فَيُفْرَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَاءٍ عَلَى حِدَةٍ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَمَا رَوَاهُ مُحْتَمَلٌ، يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ بِكَفٍّ وَاحِدٍ بِمَاءٍ وَاحِدٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِمَاءٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ، أَوْ يُرَدُّ الْمُحْتَمَلُ إلَى الْمُحْكَمِ - وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا - تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ.

(وَمِنْهَا) : الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ بِالْيَمِينِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَضْمَضَةُ بِالْيَمِينِ، وَالِاسْتِنْشَاقُ بِالْيَسَارِ؛ لِأَنَّ الْفَمَ مَطْهَرَةٌ، وَالْأَنْفَ مَقْذَرَةٌ، وَالْيَمِينُ لِلْإِطْهَارِ، وَالْيَسَارُ لِلْأَقْذَارِ.

(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَن بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ اسْتَنْثَرَ بِيَمِينِهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: جَهِلْتَ السُّنَّةَ، فَقَالَ الْحَسَنُ : كَيْفَ أَجْهَلُ، وَالسُّنَّةُ خَرَجَتْ مِنْ بُيُوتِنَا؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «الْيَمِينُ لِلْوَجْهِ، وَالْيَسَارُ لِلْمَقْعَدِ» .

(وَمِنْهَا) : الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، إلَّا فِي حَالِ الصَّوْمِ فَيُرْفَقُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لِلَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ «بَالِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا فَارْفُقْ» ، وَلِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِيهِمَا مِنْ بَابِ التَّكْمِيلِ فِي التَّطْهِيرِ، فَكَانَتْ مَسْنُونَةً إلَّا فِي حَالِ الصَّوْمِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْرِيضِ الصَّوْمِ لِلْفَسَادِ.

[التَّرْتِيب فِي الْوُضُوء]

مَطْلَبٌ فِي التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ.

(وَمِنْهَا) : التَّرْتِيبُ فِي الْوُضُوءِ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>