مَدَنِيَّةٌ.
وَرُوِيَ «أَنَّ، فَيْرُوزَ لَمَّا هَاجَرَ إلَى النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَهُ إنَّ تَحْتِيَ أُخْتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ﷺ ارْجِعْ، فَطَلِّقْ إحْدَاهُمَا» ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَكُونُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، فَدَلَّ أَنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ وَقَعَ صَحِيحًا فِي الْأَصْلِ، فَدَلَّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا تَزَوَّجَ الْحَرْبِيُّ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، ثُمَّ سُبِيَ هُوَ، وَسُبِينَ مَعَهُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْكُلِّ سَوَاءٌ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي عَقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْأَرْبَعِ، وَقَعَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ حُرًّا وَقْتَ النِّكَاحِ، وَالْحُرُّ يَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ بَعْدَ الِاسْتِرْقَاقِ لِحُصُولِ الْجَمْعِ مِنْ الْعَبْدِ فِي حَالِ الْبَقَاءِ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ، وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ، فَيَقَعُ جَمْعًا بَيْنَ الْكُلِّ، فَفُرِّقَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْكُلِّ، وَلَا يُخَيَّرُ فِيهِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ رَضِيعَتَيْنِ، فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ بَطَلَ نِكَاحُهُمَا، وَلَا يُخَيَّرُ كَذَا هَذَا.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ فِيهِ، فَيَخْتَارُ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ كَمَا يُخَيَّرُ الْحُرُّ فِي أَرْبَعِ نِسْوَةٍ مِنْ نِسَائِهِ.
وَلَوْ كَانَ الْحَرْبِيُّ تَزَوَّجَ أُمًّا وَبِنْتًا، ثُمَّ أَسْلَمَ، فَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَةٍ وَاحِدَةٍ، فَنِكَاحُهُمَا بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُمَا مُتَفَرِّقًا، فَنِكَاحُ الْأُولَى جَائِزٌ، وَنِكَاحُ الْأُخْرَى بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا قَالَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْخَمْسِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: نِكَاحُ الْبِنْتِ هُوَ الْجَائِزُ سَوَاءٌ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي عَقْدَتَيْنِ، وَنِكَاحُ الْأُمِّ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ عَقْدِ الْأُمِّ لَا يُحَرِّمُ الْبِنْتَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا.
وَلَوْ أَنَّهُ كَانَ دَخَلَ بِهِمَا جَمِيعًا، فَنِكَاحُهُمَا جَمِيعًا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الدُّخُولِ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ سَوَاءٌ دَخَلَ بِالْأُمِّ أَوْ بِالْبِنْتِ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِالْأُولَى، وَلَكِنْ دَخَلَ بِالثَّانِيَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى بِنْتًا، وَالثَّانِيَةُ أُمًّا؛ فَنِكَاحُهُمَا جَمِيعًا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ، وَالدُّخُولُ بِالْأُمِّ يُحَرِّمُ الْبِنْتَ.
وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا، فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْأُولَى، ثُمَّ تَزَوَّجَ الثَّانِيَةَ، فَنِكَاحُ الْأُولَى جَائِزٌ، وَنِكَاحُ الثَّانِيَةِ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَلَوْ تَزَوَّجَ الْأُمَّ أَوَّلًا، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَ الْبِنْتَ، وَدَخَلَ بِهَا، فَنِكَاحُهُمَا جَمِيعًا بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْبِنْتِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأُمِّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِكَاحُ الْبِنْتِ هُوَ الْجَائِزُ، وَقَدْ دَخَلَ بِهَا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَنِكَاحُ الْأُمِّ بَاطِلٌ.
[فَصْلٌ شَرَائِطُ اللُّزُومِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا شَرَائِطُ اللُّزُومِ، فَنَوْعَانِ: فِي الْأَصْلِ نَوْعٌ هُوَ شَرْطُ وُقُوعِ النِّكَاحِ لَازِمًا، وَنَوْعٌ هُوَ شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى اللُّزُومِ.
(أَمَّا) الْأَوَّلُ، فَأَنْوَاعٌ: مِنْهَا أَنْ يَكُونُ الْوَلِيُّ فِي إنْكَاحِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ هُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ لَا يَلْزَمُ النِّكَاحُ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُمَا الْخِيَارُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَيَلْزَمُ نِكَاحُ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ لَهُمَا الْخِيَارُ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ هَذَا النِّكَاحَ صَدَرَ مِنْ وَلِيٍّ، فَيَلْزَمُ كَمَا إذَا صَدَرَ عَنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ، وِلَايَةُ نَظَرٍ فِي حَقِّ الْمُولَى عَلَيْهِ فَيَدُلُّ ثُبُوتُهَا عَلَى حُصُولِ النَّظَرِ، وَهَذَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَوْ ثَبَتَ إنَّمَا يَثْبُتُ لِنَفْيِ الضَّرَرِ وَلَا ضَرَرَ، فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ، وَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ فِي نِكَاحِ الْأَبِ، وَالْجَدِّ كَذَا هَذَا، وَلَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ زَوَّجَ بِنْتَ أَخِيهِ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵁ فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا» حَتَّى رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: إنَّهَا اُنْتُزِعَتْ مِنِّي بَعْدَ مَا مَلَكْتُهَا، وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ؛ وَلِأَنَّ أَصْلَ الْقَرَابَةِ إنْ كَانَ يَدُلُّ عَلَى أَصْلِ النَّظَرِ؛ لِكَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَى أَصْلِ الشَّفَقَةِ، فَقُصُورُهَا يَدُلُّ عَلَى قُصُورِ النَّظَرِ لِقُصُورِ الشَّفَقَةِ بِسَبَبِ بُعْدِ الْقَرَابَةِ، فَيَجِبُ اعْتِبَارُ أَصْلِ الْقَرَابَةِ بِإِثْبَاتِ أَصْلِ الْوِلَايَةِ، وَاعْتِبَارُ الْقُصُورِ بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ تَكْمِيلًا لِلنَّظَرِ، وَتَوْفِيرًا فِي حَقِّ الصَّغِيرِ بِتَلَافِي التَّقْصِيرِ لَوْ وَقَعَ، وَلَا يُتَوَهَّمُ التَّقْصِيرُ فِي إنْكَاحِ الْأَبِ، وَالْجَدِّ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا لِذَلِكَ لَزِمَ إنْكَاحُهُمَا، وَلَمْ يَلْزَمْ إنْكَاحُ الْأَخِ وَالْعَمِّ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ فِي إنْكَاحِ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَنْ لَا يَلْزَمَ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فِي ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا تَزَوَّجَ عَائِشَةَ ﵂ وَبَلَغَتْ لَمْ يُعْلِمْهَا بِالْخِيَارِ بَعْدَ الْبُلُوغِ.
وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ ثَابِتًا لَهَا، وَذَلِكَ حَقُّهَا لَأَعْلَمَهَا بِهِ، وَهَلْ يَلْزَمُ إذَا زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا زَوَّجَهَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ، فَلَهَا الْخِيَارُ، وَالْحَاكِمُ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ هَكَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ، وَرَوَى خَالِدُ بْنُ صَبِيحٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا (وَجْهُ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ وِلَايَةَ الْحَاكِمِ أَعَمُّ مِنْ وِلَايَةِ الْأَخِ وَالْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا، فَكَانَتْ، وِلَايَتُهُ شَبِيهَةً بِوِلَايَةِ