أَلْفٍ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ عَلَى عَبْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْأَلْفِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ بَدَلَ الصُّلْحِ فَلَهُ الْخِيَارُ لِمَا قُلْنَا.
وَإِنْ ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ بِأَنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ بِعَشَرَةٍ وَبِعْتُكَ بِرِبْحِ دَهٍ يازده أَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ بِعَشَرَةٍ وَوَلَّيْتُكَ بِمَا تَوَلَّيْتُ، ثُمَّ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهُ بِتِسْعَةٍ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ: الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي الْمُرَابَحَةِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَفِي التَّوْلِيَةِ لَا خِيَارَ لَهُ لَكِنْ يُحَطُّ قَدْرُ الْخِيَانَةِ وَيَلْزَمُ الْعَقْدُ بِالثَّمَنِ الْبَاقِي، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا خِيَارَ لَهُ وَلَكِنْ يُحَطُّ قَدْرُ الْخِيَانَةِ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَذَلِكَ دِرْهَمٌ فِي التَّوْلِيَةِ، وَدِرْهَمٌ فِي الْمُرَابَحَةِ، وَحِصَّةٌ مِنْ الرِّبْحِ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ دِرْهَمٍ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ ﵀: لَهُ الْخِيَارُ فِيهِمَا جَمِيعًا إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ ﵀: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَرْضَ بِلُزُومِ الْعَقْدِ إلَّا بِالْقَدْرِ الْمُسَمَّى مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يَلْزَمُ بِدُونِهِ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِفَوَاتِ السَّلَامَةِ عَنْ الْخِيَانَةِ كَمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِفَوَاتِ السَّلَامَةِ عَنْ الْعَيْبِ إذَا وُجِدَ الْمَبِيعُ مَعِيبًا (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ﵀: أَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ أَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ فَإِذَا ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ تَبَيَّنَ أَنَّ تَسْمِيَةَ قَدْرِ الْخِيَانَةِ لَمْ تَصِحَّ فَلَغَتْ تَسْمِيَتُهُ وَبَقِيَ الْعَقْدُ لَازِمًا بِالثَّمَنِ الْبَاقِي، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَهُوَ أَنَّ الْخِيَانَةَ فِي الْمُرَابَحَةِ لَا تُوجِبُ خُرُوجَ الْعَقْدِ عَنْ كَوْنِهِ مُرَابَحَةً؛ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَزِيَادَةُ رِبْحٍ، وَهَذَا قَائِمٌ بَعْدَ الْخِيَانَةِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الثَّمَنِ رَأْسُ مَالٍ وَبَعْضَهُ رِبْحٌ فَلَمْ يَخْرُجْ الْعَقْدُ عَنْ كَوْنِهِ مُرَابَحَةً، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ تَغْيِيرًا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ.
وَهَذَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الرِّضَا فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ كَمَا إذَا ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ فِي صِفَةِ الثَّمَنِ بِأَنْ ظَهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ كَانَ نَسِيئَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ التَّوْلِيَةِ؛ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِيهَا تُخْرِجُ الْعَقْدَ عَنْ كَوْنِهِ تَوْلِيَةً؛ لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، وَقَدْ ظَهَرَ النُّقْصَانُ فِي الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلَوْ أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ لَأَخْرَجْنَاهُ عَنْ كَوْنِهِ تَوْلِيَةً وَجَعَلْنَاهُ مُرَابَحَةً، وَهَذَا إنْشَاءُ عَقْدٍ آخَرَ لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَحَطَطْنَا قَدْرَ الْخِيَانَةِ وَأَلْزَمْنَا الْعَقْدَ بِالثَّمَنِ الْبَاقِي وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ، هَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عِنْدَ ظُهُورِ الْخِيَانَةِ بِمَحَلِّ الْفَسْخِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِأَنْ هَلَكَ أَوْ حَدَثَ بِهِ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ بَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَحَلِّ الْفَسْخِ لَمْ يَكُنْ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فَائِدَةٌ فَيَسْقُطُ كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي حُكْم الْإِشْرَاكُ فِي الْمُرَابَحَة]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الْإِشْرَاكُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ التَّوْلِيَةِ لَا أَنَّهُ تَوْلِيَةٌ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ تَوْلِيَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِبَعْضِ الثَّمَنِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّوْلِيَةِ مِنْ الشَّرَائِطِ وَالْأَحْكَامِ.
وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِالْإِشْرَاكِ بَيَانُ الْقَدْرِ الَّذِي تَثْبُتُ فِيهِ الشَّرِكَةُ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: الْمُشْتَرَى لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِوَاحِدٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ لِوَاحِدٍ فَأَشْرَكَ فِيهِ غَيْرَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُشْرِكَهُ فِي قَدْرٍ مَعْلُومٍ كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ أَطْلَقَ الشَّرِكَةَ فَإِنْ أَشْرَكَهُ فِي قَدْرٍ مَعْلُومٍ فَلَهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّصَرُّفِ فِيهِ يَثْبُتُ فِي قَدْرِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ هُوَ الْأَصْلُ فَإِنْ أَطْلَقَ الشَّرِكَةَ بِأَنْ قَالَ أَشْرَكْتُكَ فِي هَذَا الْكُرِّ فَلَهُ نِصْفُ الْكُرِّ كَمَا لَوْ قَالَ: أَشْرَكْتُكَ فِي نِصْفِ الْكُرِّ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ الْمُطْلَقَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فَتَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ الرَّجُلِ مِثْلَ نَصِيبِهِ.
وَلَوْ أَشْرَكَ رَجُلًا فِي نِصْفِهِ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى هَلَكَ نِصْفُهُ فَالرَّجُلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ مَا بَقِيَ وَهُوَ رُبُعُ الْكُرِّ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ نِصْفٌ شَائِعٌ مِنْ ذَلِكَ فَمَا هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الشَّرِكَةِ وَمَا بَقِيَ بَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ قَدْ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ رَجُلٌ نِصْفَ الْكُرِّ ثُمَّ هَلَكَ نِصْفُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْهَلَاكِ اسْتِحْقَاقٌ بِأَنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْكُرِّ فَهَهُنَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الشَّرِكَةِ وَالْبَيْعِ فَيَكُونُ النِّصْفُ الْبَاقِي لِلْمُشْتَرِي خَاصَّةً فِي الْبَيْعِ وَفِي الشَّرِكَةِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ أُضِيفَ إلَى نِصْفٍ شَائِعٍ وَتَعَذَّرَ تَنْفِيذُهُ فِي النِّصْفِ الْمُسْتَحَقِّ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ وَأَمْكَنَ تَنْفِيذُهُ فِي نِصْفِ الْمَمْلُوكِ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهُ فِيهِ وَكَذَلِكَ فِي الشَّرِكَةِ إلَّا أَنَّ تَنْفِيذَهُ فِي النِّصْفِ الْمَمْلُوكِ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ النِّصْفِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ لِلرَّجُلِ وَنِصْفُهُ لَهُ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَشْرِكْنِي فِي هَذَا الْعَبْدِ فَقَالَ: قَدْ أَشْرَكْتُكَ ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ: مِثْلَ ذَلِكَ فَأَشْرَكَهُ فِيهِ إنْ كَانَ الثَّانِي عَلِمَ بِمُشَارَكَةِ الْأَوَّلِ فَلَهُ الرُّبُعُ وَلِلْمُشْتَرِي الرُّبُعُ وَالنِّصْفُ لِلْأَوَّلِ.
وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ بِمُشَارَكَتِهِ فَالنِّصْفُ لَهُ وَالنِّصْفُ لِلْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ الثَّانِي بِمُشَارَكَةِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَطْلُبْ الشَّرِكَةَ مِنْهُ إلَّا فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute