يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ كَانَ وَالِيًا بِالْبَصْرَةِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ لَيْسَ مِنْ نَمَاءِ الْأَرْضِ فَنَقُولُ هُوَ مُلْحَقٌ بِنَمَائِهَا لِاعْتِبَارِ النَّاسِ إعْدَادَ الْأَرْضِ لَهَا وَلِأَنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ أَنْوَارِ الشَّجَرِ فَكَانَ كَالثَّمَرِ ثُمَّ إنَّمَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْعَسَلِ إذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ وُجُوبَ الْعُشْرِ فِيهِ لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرِ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ أَزْهَارِ الشَّجَرِ وَلَا شَيْءَ فِي ثِمَارِ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَلِأَنَّ أَرْضَ الْخَرَاجِ يَجِبُ فِيهَا الْخَرَاجُ فَلَوْ وَجَبَ الْعُشْرُ فِي الْعَسَلِ لَاجْتَمَعَ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا، وَيَجِبُ الْعُشْرُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالنَّمَاءِ وَيَجْرِي مَجْرَى الثِّمَارِ، وَالنِّصَابُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا شَرْطٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا فِي ذَلِكَ وَمَا يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ مِنْ الْعَسَلِ وَالْفَوَاكِهِ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِيهِ الْعُشْرَ، وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ كَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ عُمُومَاتُ الْعُشْرِ إلَّا أَنَّ مِلْكَ الْخَارِجِ شَرْطٌ وَلَمَّا أَخَذَهُ فَقَدْ مَلَكَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي أَرْضِهِ.
وَالْحَوْلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ حَتَّى لَوْ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ فِي السَّنَةِ مِرَارًا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ نُصُوصَ الْعُشْرِ مُطْلَقَةٌ عَنْ شَرْطِ الْحَوْلِ وَلِأَنَّ الْعُشْرَ فِي الْخَارِجِ حَقِيقَةً فَيَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ.
وَكَذَلِكَ خَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْخَارِجِ فَأَمَّا خَرَاجُ الْوَظِيفَةِ فَلَا يَجِبُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ بَلْ فِي الذِّمَّةِ عُرِفَ ذَلِكَ بِتَوْظِيفِ عُمَرَ ﵁ وَمَا وَظَّفَ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.
[فَصْلٌ بَيَانُ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ مِنْ الْعَشْر]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ فَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي بَيَانِ قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الْعُشْرِ، وَالثَّانِي فِي بَيَانِ قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الْخَرَاجِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَا سُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ، أَوْ سُقِيَ سَيْحًا فَفِيهِ عُشْرٌ كَامِلٌ، وَمَا سُقِيَ بِغَرَبٍ، أَوْ دَالِيَةٍ، أَوْ سَانِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرَبٍ، أَوْ دَالِيَةٍ، أَوْ سَانِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» ، وَعَنْ أَنَسٍ ﵁ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «فِيمَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ، أَوْ الْعَيْنُ، أَوْ كَانَ بَعْلًا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالرِّشَاءِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» وَلِأَنَّ الْعُشْرَ وَجَبَ مُؤْنَةَ الْأَرْضِ فَيَخْتَلِفُ الْوَاجِبُ بِقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ وَكَثْرَتِهَا وَلَوْ سُقِيَ الزَّرْعُ فِي بَعْضِ السَّنَةِ سَيْحًا وَفِي بَعْضِهَا بِآلَةٍ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ كَمَا فِي السَّوْمِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَا يُحْتَسَبُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْغَلَّةِ مِنْ سَقْيٍ، أَوْ عِمَارَةٍ، أَوْ أَجْرِ الْحَافِظِ، أَوْ أَجْرِ الْعُمَّالِ، أَوْ نَفَقَةِ الْبَقَرِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرَبٍ، أَوْ دَالِيَةٍ، أَوْ سَانِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» ، أَوْجَبَ الْعُشْرَ وَنِصْفَ الْعُشْرِ مُطْلَقًا عَنْ احْتِسَابِ هَذِهِ الْمُؤَنِ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَوْجَبَ الْحَقَّ عَلَى التَّفَاوُتِ لِتَفَاوُتِ الْمُؤَنِ وَلَوْ رُفِعَتْ الْمُؤَنُ لَارْتَفَعَ التَّفَاوُتُ.
[بَيَان المقدار الواجب مِنْ الخراج]
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ بَيَانُ قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الْخَرَاجِ فَالْخَرَاجُ نَوْعَانِ خَرَاجُ وَظِيفَةٍ وَخَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ أَمَّا خَرَاجُ الْوَظِيفَةِ فَمَا وَظَّفَهُ عُمَرُ ﵁ فَفِي كُلِّ جَرِيبِ أَرْضٍ بَيْضَاءَ تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ قَفِيزٌ مِمَّا يُزْرَعُ فِيهَا وَدِرْهَمُ الْقَفِيزِ صَاعٌ وَالدِّرْهَمُ وَزْنُ سَبْعَةٍ، وَالْجَرِيبُ أَرْضٌ طُولُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ كِسْرَى يَزِيدُ عَلَى ذِرَاعِ الْعَامَّةِ بِقَصَبَةٍ وَفِي جَرِيبِ الرُّطَبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَفِي جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ هَكَذَا وَظَّفَهُ عُمَرُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَمِثْلُهُ يَكُونُ إجْمَاعًا.
وَأَمَّا جَرِيبُ الْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا أَشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ زِرَاعَتُهَا لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَتْ النَّخِيلُ مُلْتَفَّةً جَعَلْت عَلَيْهَا الْخَرَاجَ بِقَدْرِ مَا تُطِيقُ وَلَا أَزِيدُ عَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَفِي جَرِيبِ الْأَرْضِ الَّتِي يُتَّخَذُ فِيهَا الزَّعْفَرَانُ قَدْرُ مَا تُطِيقُ فَيُنْظَرُ إلَى غَلَّتِهَا فَإِنْ كَانَتْ تَبْلُغُ غَلَّةَ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ يُؤْخَذُ مِنْهَا قَدْرُ خَرَاجِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ وَإِنْ كَانَتْ تَبْلُغُ غَلَّةَ الرُّطَبَةِ يُؤْخَذُ مِنْهَا قَدْرُ خَرَاجِ أَرْضِ الرُّطَبَةِ هَكَذَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْخَرَاجِ عَلَى الطَّاقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ ﵄ لَمَّا مَسَحَا سَوَادَ الْعِرَاقِ بِأَمْرِ عُمَرَ ﵁ وَوَضَعَا عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ قَفِيزًا وَدِرْهَمًا، وَعَلَى كُلِّ جَرِيبٍ يَصْلُحُ لِلرُّطَبَةِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى كُلِّ جَرِيبٍ يَصْلُحُ لِلْكَرْمِ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ لَهُمَا عُمَرُ: ﵁ لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا مَا لَا تُطِيقُ فَقَالَا: بَلْ حَمَّلْنَا مَا تُطِيقُ وَلَوْ زِدْنَا لَأَطَاقَتْ؟ فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَبْنَى