للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَغِيرٌ نَصَبَ الْقَاضِي عَنْهُ وَصِيًّا وَقَسَمَ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ هَهُنَا مُمْكِنَةٌ؛ لِوُجُودِ مُتَقَاسِمَيْنِ حَاضِرَيْنِ، وَإِذَا قَسَمَ الْمَنْقُولَ - بَيْنَ الْوَرَثَةِ بِإِقْرَارِهِمْ - أَوْ الْعَقَارَ - بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ وَفِيهِمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ فَعَزَلَ نَصِيبَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ فَإِنْ أَقَرَّ، كَمَا أَقَرُّوا أُولَئِكَ، فَقَدْ مَضَى الْأَمْرُ، وَإِنْ أَنْكَرَ تُرَدُّ الْقِسْمَةُ فِي الْمَنْقُولِ بِالْإِجْمَاعِ.

وَكَذَلِكَ فِي الْعَقَارِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - فِي الْعَقَارِ لَا تُرَدُّ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ الْمَبْنِيَّةَ عَلَى الْبَيِّنَةِ قَدْ تَقَدَّمَتْ عَلَى الْغَائِبِ فَلَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ مِيرَاثًا وَفِيهِ وَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ وَبَعْضُ الْوَرَثَةِ غَائِبٌ، فَطَلَبَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ الْقِسْمَةَ بَعْدَ مَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِيرَاثِ وَالثُّلُثِ قَسَمَ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ حَاضِرٌ فَكَأَنَّهُ حَضَرَ اثْنَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ؛ قَسَمَ وَإِنْ كَانَ الْبَاقُونَ غَيْبًا، كَذَا هَذَا وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.

وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَقْسُومُ عَلَيْهِ مَالِكًا لِلْمَقْسُومِ وَقْتَ الْقِسْمَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ؛ لِمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[فَصْلٌ فِي الشَّرَائِط الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْمَقْسُومِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَقْسُومِ فَوَاحِدٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْسُومُ مَمْلُوكًا لِلْمَقْسُومِ لَهُ وَقْتَ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازُ بَعْضِ الْأَنْصِبَاءِ، وَمُبَادَلَةُ الْبَعْضِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمَمْلُوكِ، وَعَلَى هَذَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ الْعَيْنُ الْمَقْسُومَةُ تُبْطَلُ الْقِسْمَةُ فِي الظَّاهِرِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَصِحَّ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ مِنْهَا تُبْطَلُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ، ثُمَّ قَدْ تُسْتَأْنَفُ الْقِسْمَةُ وَقَدْ لَا تُسْتَأْنَفُ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ وَقَدْ لَا يَثْبُتُ.

وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ: أَنَّهُ إذَا وَرَدَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى الْمَقْسُومِ لَا يَخْلُو الْأَمْرُ فِيهِ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ وَرَدَ عَلَى كُلِّهِ، وَإِمَّا أَنْ وَرَدَ عَلَى جُزْءٍ، فَإِنْ وَرَدَ عَلَى كُلِّ الْمَقْسُومِ تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَمْ تَصِحَّ مِنْ الْأَصْلِ؛ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الصِّحَّةِ - وَهُوَ الْمِلْكُ الْمُشْتَرَكُ - فَتُسْتَأْنَفُ الْقِسْمَةُ، وَإِنْ وَرَدَ عَلَى جُزْءٍ مِنْ الْمَقْسُومِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ أَيْضًا: إمَّا أَنْ وَرَدَ عَلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ وَرَدَ عَلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ، فَإِنْ وَرَدَ عَلَى جُزْءٍ شَائِعٍ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: أَيْضًا إمَّا أَنْ وَرَدَ عَلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا، وَإِمَّا أَنْ وَرَدَ عَلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، فَإِنْ وَرَدَ الْآخَرُ عَلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا.

كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ نِصْفَيْنِ، اقْتَسَمَاهَا فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا ثُلُثًا مِنْ مُقَدَّمِهَا، وَأَخَذَ الْآخَرُ ثُلُثَيْنِ مِنْ مُؤَخَّرِهَا، وَقِيمَتُهَا سَوَاءٌ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِتّمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَاسْتَحَقَّ نِصْفَ الدَّارِ فَاسْتَأْنَفَ الْقِسْمَةَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّ نِصْفَ الدَّارِ شَائِعًا مِلْكُ الْمُسْتَحَقِّ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَصِحَّ فِي النِّصْفِ الشَّائِعِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَبَطَلَتْ الْقِسْمَةُ أَصْلًا، وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ نَصِيبِ صَاحِبِ الْمُقَدَّمِ شَائِعًا تُسْتَأْنَفُ الْقِسْمَةُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ﵀؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ شَرِيكُهُمَا فِي الدَّارِ فَظَهَرَ أَنَّ قِسْمَتَهُمَا لَمْ تَصِحَّ دُونَهُ، فَتُسْتَأْنَفُ الْقِسْمَةُ، كَمَا إذَا وَرَدَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى نِصْفِ الدَّارِ شَائِعًا.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - عَلَيْهِمَا الرَّحْمَة - لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ مَا فِي يَدِهِ وَرَجَعَ بِبَاقِي حِصَّتِهِ وَهُوَ مِثْلُ مَا اسْتَحَقَّ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَصِحَّ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ لَا فِيمَا وَرَاءَهُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ انْعِدَامُ الْمِلْكِ، وَذَلِكَ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ لَا فِي مَا وَرَاءَهُ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ انْعِدَامِ الصِّحَّةِ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ انْعِدَامُهَا فِي الْبَاقِي.

لِأَنَّ مَعْنَى الْقِسْمَةِ - وَهُوَ الْإِفْرَازُ وَالْمُبَادَلَةُ - لَمْ يَنْعَدِمْ بِاسْتِحْقَاقِ هَذَا الْقَدْرِ فِي الْبَاقِي فَلَا تُبْطَلُ الْقِسْمَةُ فِي الْبَاقِي، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الدَّارِ شَائِعًا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ وَإِنْ وَرَدَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى النِّصْفِ فَأَوْجَبَ بُطْلَانَ الْقِسْمَةِ فِيهِ مَقْصُودًا، لَكِنْ مِنْ ضَرُورَتِهِ بُطْلَانُ الْقِسْمَةِ فِي الْبَاقِي؛ لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ فِي الْبَاقِي أَصْلًا، وَهَهُنَا لَمْ يَنْعَدِمْ فَلَا تُبْطَلُ، لَكِنْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِبَاقِي حِصَّتِهِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ نِصْفِ الْمُسْتَحَقِّ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُسْتَحَقَّ مِنْ النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَهُوَ رُبْعُ نَصِيبِهِ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْقِسْمَةَ؛ لِاخْتِلَافِ مَعْنَاهَا وَلِدُخُولِ عَيْبِ الشَّرِكَةِ، إذْ الشَّرِكَةُ فِي الْأَعْيَانِ الْمُجْتَمَعَةِ عَيْبٌ، وَالْعَيْبُ يُثْبِتُ الْخِيَارَ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ ﵀ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ، وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الْمُقَدَّمِ بَاعَ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَاسْتَحَقَّ النِّصْفَ الْبَاقِي فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبْعِ مَا فِي يَدِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَغْرَمُ نِصْفَ قِيمَةِ مَا بَاعَ لِشَرِيكِهِ وَيَضُمُّهُ إلَى مَا فِي يَدِ شَرِيكِهِ وَيَقْتَسِمَانِ نِصْفَيْنِ.

(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مَا بَيَّنَّا أَنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَصِحَّ أَصْلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>