فِي الْجُمْلَةِ فِي جِنْسِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الشَّرْعِ كَانَ ذَلِكَ تَعْلِيقًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨] ، وَقَوْلِهِ ﷿ ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢] ، وَكَمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَهَا، فَسَجَدَ» .
وَرُوِيَ أَنَّ مَاعِزًا زَنَى، فَرُجِمَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَالْحُكْمُ يَتَعَمَّمُ بِعُمُومِ الْعِلَّةِ، وَلَا يَتَخَصَّصُ بِخُصُوصِ الْمَحَلِّ كَمَا فِي سَائِرِ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْعَقْلِيَّةِ، وَزَوْجُ بَرِيرَةَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا؛ لَكِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا بَنَى الْخِيَارَ فِيهِ عَلَى مَعْنًى عَامٍّ وَهُوَ مِلْكُ الْبُضْعِ يُعْتَبَرُ عُمُومُ الْمَعْنَى لَا خُصُوصُ الْمَحَلِّ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ؛ وَلِأَنَّ بِالْإِعْتَاقِ يَزْدَادُ مِلْكُ النِّكَاحِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَلَيْهَا عُقْدَةً زَائِدَةً لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُهَا قَبْلَ الْإِعْتَاقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ بِالْبِنَاءِ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا، وَالْمَسْأَلَةُ، فَرِيعَةُ ذَلِكَ الْأَصْلِ، وَلَهَا أَنْ لَا تَرْضَى بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِهَا، وَلَهَا وِلَايَةُ رَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهَا، وَلَا يُمْكِنُهَا رَفْعُ الزِّيَادَةِ إلَّا بِرَفْعِ أَصْلِ النِّكَاحِ، فَبَقِيَتْ لَهَا وِلَايَةُ رَفْعِ النِّكَاحِ، وَفَسْخِهِ ضَرُورَةَ رَفْعِ الزِّيَادَةِ، وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ وَجْهِ الضَّرَرِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْخِيَارُ، وَبَقِيَ النِّكَاحُ لَازِمًا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الزَّوْجُ مَنَافِعَ بُضْعِ حُرَّةٍ جَبْرًا بِبَدَلٍ اسْتَحَقَّهُ غَيْرُهَا بِالْعَقْدِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا؛ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِبَقَاءِ هَذَا النِّكَاحِ لَازِمًا يُؤَدِّي إلَى اسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ بُضْعِ الْحُرَّةِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ تَسْتَحِقُّهُ الْحُرَّةُ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَرْضَى بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ بُضْعِهَا إلَّا بِبَدَلٍ تَسْتَحِقُّهُ هِيَ، فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ لَهَا لَصَارَ الزَّوْجُ مُسْتَوْفِيًا مَنَافِعَ بُضْعِهَا، وَهِيَ حُرَّةٌ جَبْرًا عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا بِبَدَلٍ اسْتَحَقَّهُ مَوْلَاهَا، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِهَذَا الْمَعْنَى ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ إذَا كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا كَذَا إذَا كَانَ حُرًّا.
وَكَذَا اُخْتُلِفَ فِي أَنَّ كَوْنَهَا رَقِيقَةً وَقْتَ النِّكَاحِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ سَوَاءٌ كَانَتْ رَقِيقَةً وَقْتَ النِّكَاحِ، فَأَعْتَقَهَا الْمَوْلَى أَوْ كَانَتْ حُرَّةً وَقْتَ النِّكَاحِ، ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا الرِّقُّ، فَأَعْتَقَهَا حَتَّى أَنَّ الْحَرْبِيَّةَ إذَا تَزَوَّجَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ سُبِيَا مَعًا، ثُمَّ أُعْتِقَتْ، فَلَهَا الْخِيَارُ عِنْدَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ شَرْطٌ، وَلَا خِيَارَ لَهَا.
وَكَذَا الْمُسْلِمَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ مُسْلِمًا، ثُمَّ ارْتَدَّا، وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ سُبِيَتْ، وَزَوْجُهَا مَعَهَا فَأَسْلَمَا، ثُمَّ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ، فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، فَمُحَمَّدٌ، فَرَّقَ بَيْنَ الرِّقِّ الطَّارِئِ عَلَى النِّكَاحِ، وَبَيْنَ الْمُقَارِنِ إيَّاهُ، وَأَبُو يُوسُفَ سَوَّى بَيْنَهُمَا وَجْهُ الْفَرْقِ لِمُحَمَّدٍ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ رَقِيقَةً وَقْتَ النِّكَاحِ، فَالنِّكَاحُ يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِلْخِيَارِ عِنْدَ الْإِعْتَاقِ، وَإِذَا كَانَتْ حُرَّةً؛ فَنِكَاحُ الْحُرَّةِ لَا يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِلْخِيَارِ، فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِطَرَيَانِ الرِّقِّ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الرِّضَا، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ بِالْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْمِلْكِ تَثْبُتُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْعِتْقَ، وَالْعِتْقُ مُوجِبُ الْإِعْتَاقِ، وَلَا يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ السَّابِقَ مَا انْعَقَدَ مُوجِبًا لِلزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ صَادَفَ الْأَمَةَ، وَنِكَاحُ الْأَمَةِ لَا يُوجِبُ زِيَادَةَ الْمِلْكِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَجْعَلُ زِيَادَةَ الْمِلْكِ حُكْمَ الْإِعْتَاقِ، وَمُحَمَّدٌ يَجْعَلُهَا حُكْمَ الْعَقْدِ السَّابِقِ عِنْدَ وُجُودِ الْإِعْتَاقِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَخْرُجُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ يَثْبُتُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى لَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ، فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا، ثُمَّ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ مَعًا، ثُمَّ سُبِيَتْ، وَزَوْجُهَا مَعَهَا، فَأُعْتِقَتْ، فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْخِيَارَ ثَبَتَ بِالْإِعْتَاقِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ الْإِعْتَاقُ، فَيَتَكَرَّرُ الْخِيَارُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَثْبُتُ بِالْعَقْدِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا خِيَارٌ وَاحِدٌ.
[فَصْلٌ وَقْتُ ثُبُوت الْخِيَار فِي النِّكَاحِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا وَقْتُ ثُبُوتِهِ، فَوَقْتُ عِلْمِهَا بِالْعِتْقِ وَبِالْخِيَارِ، وَأَهْلِيَّةُ الِاخْتِيَارِ، فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي تَعْلَمُ فِيهِ بِالْعِتْقِ، وَبِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ، وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الِاخْتِيَارِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهَا، وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْعِتْقِ أَوْ عَلِمَتْ بِالْعِتْقِ، وَلَمْ تَعْلَمْ بِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ، فَلَمْ تَخْتَرْ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا وَلَهَا بِمَجْلِسِ الْعِلْمِ إذَا عَلِمَتْ بِهِمَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْبُلُوغِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالْخِيَارِ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَهَا، وَهِيَ صَغِيرَةٌ، فَلَهَا خِيَارُ الْعِتْقِ إذَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّهَا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاخْتِيَارِ، وَلَيْسَ لَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ وُجِدَ فِي حَالَةِ الرِّقِّ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
وَلَوْ تَزَوَّجَتْ مُكَاتَبَةٌ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، فَأُعْتِقَتْ، فَلَهَا الْخِيَارُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا خِيَارَ لَهَا (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا ضَرَر عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ وَقَعَ لَهَا، وَالْمَهْرُ مُسَلَّمٌ لَهَا (وَلَنَا) مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «خَيَّرَ بَرِيرَةَ، وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً» ؛ وَلِأَنَّ عِلَّةَ النَّصِّ عَامَّةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَكَذَا الْمِلْكُ يَزْدَادُ عَلَيْهَا كَمَا يَزْدَادُ عَلَى الْقِنَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute