صَلَاةِ الْإِمَامِ لَكِنْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ الْأَفْعَالِ فَصَلَاتُهُمْ بِدُونِ هَذَا الْجُزْءِ جَائِزَةٌ فَحُكِمَ بِجَوَازِهَا، فَأَمَّا الْمَسْبُوقُونَ فَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْجُزْءَ مِنْ صَلَاتِهِمْ قَدْ فَسَدَ وَعَلَيْهِمْ أَرْكَانٌ لَمْ تُؤَدَّ بَعْدَ كَمَالِ حَقِّ الْإِمَامِ الثَّانِي، فَأَمَّا الْإِمَامُ الْأَوَّلُ فَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ خَلْفَ الْإِمَامِ الثَّانِي فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُدْرِكِينَ، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ الثَّانِي فِي الصَّلَاةِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، ذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ وَذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ.
وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ قَهْقَهَةَ الْإِمَامِ كَقَهْقَهَةِ الْمُقْتَدِي فِي إفْسَادِ الصَّلَاةِ أَلَا يُرَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَسْبُوقِينَ فَاسِدَةٌ وَلَوْ قَهْقَهَ الْمُقْتَدِي نَفْسُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِبَقَاءِ الْأَرْكَانِ عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا.
وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَالْمَسْبُوقِ إنَّمَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي لَابَسَتْهُ الْقَهْقَهَةُ أَفْسَدَتْهُ مِنْ وَسَطِ صَلَاتِهِمْ فَإِذَا فَسَدَ الْجُزْءُ فَسَدَتْ الصَّلَاةُ، فَأَمَّا هَذَا الْجُزْءُ فِي حَقِّ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُدْرِكٌ لِأَوَّلِ الصَّلَاةِ فَمِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِمَا يُدْرِكُهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَأْتِي بِمَا يُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ وَإِلَّا فَيَأْتِي بِهِ وَحْدَهُ فَلَا يَكُونُ فَسَادُ هَذَا الْجُزْءِ مُوجِبًا فَسَادَ صَلَاتِهِ كَمَا لَوْ كَانَ أَتَى وَصَلَّى مَا تَرَكَهُ وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ وَصَلَّى بَقِيَّةَ الصَّلَاةِ وَقَعَدَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ قَهْقَهَ الْإِمَامُ الثَّانِي لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ كَذَا هَذَا.
وَلَوْ كَانَ مَنْ خَلْفَ الْمُحْدِثِ كُلُّهُمْ مَسْبُوقِينَ يُنْظَرُ إنْ بَقِيَ عَلَى الْإِمَامِ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ وَاحِدًا مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ يَصْلُحُ خَلِيفَةً لِمَا بَيَّنَّا فَيُتِمُّ صَلَاةَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَكَذَا الْقَوْمُ يَقُومُونَ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ وَيُصَلُّونَ وُحْدَانًا وَإِنْ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْإِمَامِ شَيْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ قَامُوا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلِّمُوا وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ وُحْدَانًا لِوُجُوبِ الِانْفِرَادِ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ رَكْعَةً ثُمَّ أَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا نَامَ مِنْ هَذِهِ الرَّكْعَةِ وَقَدْ أَدْرَكَ أَوَّلَهَا أَوْ كَانَ ذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ جَازَ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَهُ وَلَا لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَإِنْ قُدِّمَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَ هُوَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْبِدَايَةِ بِمَا فَاتَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَقَدَّمَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِتْمَامِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِذَا تَقَدَّمَ يَنْبَغِي أَنْ يُشِيرَ إلَيْهِمْ لِيَنْتَظِرُوهُ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ مَا فَاتَهُ وَقْتَ نَوْمِهِ أَوْ ذَهَابِهِ لِلتَّوَضُّؤِ ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ بَقِيَّةَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ هَكَذَا وَلَكِنَّهُ أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ ثُمَّ قَدَّمَ مُدْرِكًا فَسَلَّمَ بِهِمْ ثُمَّ قَامَ فَيَقْضِي مَا فَاتَهُ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْبِدَايَةِ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ الْمَأْمُورَ بِهِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَالْمَسْبُوقِ إذَا بَدَأَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يُتَابِعَ الْإِمَامَ فِيمَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ.
(وَلَنَا) أَنَّهُ أَتَى بِجَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ التَّرْتِيبَ فِي أَفْعَالِهَا، وَالتَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَوْ ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهُ لَكَانَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْأَرْكَانِ وَالْفَرَائِضِ، وَذَا جَارٍ مَجْرَى النَّسْخِ وَلَا يَثْبُتُ نَسْخُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ مِثْلِهِ، وَلَا دَلِيلَ لِمَنْ جَعَلَ التَّرْتِيبَ فَرْضًا لِيُسَاوِيَ دَلِيلَ افْتِرَاضِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَى آخِرِ صَلَاتِهِ لَمْ تَسْقُطْ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَرْضًا لَفَسَدَتْ، وَكَذَا الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ يُتَابِعُهُ فِيهِ فَدَلَّ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَتَرْكُهَا لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ.
[فَصْلٌ بَيَانُ حُكْمِ الِاسْتِخْلَافِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ حُكْمِ الِاسْتِخْلَافِ.
فَحُكْمُهُ صَيْرُورَةُ الثَّانِي إمَامًا وَخُرُوجُ الْأَوَّلِ عَنْ الْإِمَامَةِ وَصَيْرُورَتُهُ فِي حُكْمِ الْمُقْتَدِي بِالثَّانِي، ثُمَّ إنَّمَا يَصِيرُ الثَّانِي إمَامًا وَيَخْرُجُ الْأَوَّلُ عَنْ الْإِمَامَةِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا بِقِيَامِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ يَنْوِي صَلَاتَهُ، أَوْ بِخُرُوجِ الْأَوَّلِ عَنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى لَوْ اسْتَخْلَفَ رَجُلًا وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدُ وَلَمْ يَقُمْ الْخَلِيفَةُ مَقَامَهُ فَهُوَ عَلَى إمَامَتِهِ حَتَّى لَوْ جَاءَ رَجُلٌ فَاقْتَدَى بِهِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ.
وَلَوْ أَفْسَدَ الْأَوَّلُ صَلَاتَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ إمَامًا وَإِنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِمَامَةِ بِانْتِقَالِهَا إلَى غَيْرِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهَا إمَامَانِ أَوْ بِخُرُوجِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ لِفَوْتِ شَرْطِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْبُقْعَةِ، فَإِذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ غَيْرُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَنْتَقِلْ وَالْبُقْعَةُ مُتَّحِدَةٌ فَبَقِيَ إمَامًا فِي نَفْسِهِ كَمَا كَانَ وَقَوْلُنَا يَنْوِي صَلَاةَ الْإِمَامِ حَتَّى لَوْ اسْتَخْلَفَ رَجُلًا جَاءَ سَاعَتئِذٍ قَبْلَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فَتَقَدَّمَ وَكَبَّرَ، فَإِنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ وَأَنْ يُصَلِّيَ بِصَلَاتِهِ صَحَّ اسْتِخْلَافُهُ وَجَازَتْ صَلَاتُهُمْ، وَقَالَ بِشْرٌ: لَا يَصِحُّ الِاسْتِخْلَافُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ الْمُحْدِثِ عِنْدَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ بَعْدَ الْحَدَثِ أَمْرٌ عُرِفَ