لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَتَى وَرَدَ، وَالْحَرَامُ مَقْبُوضٌ يُلَاقِيهِ بِالْعَفْوِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ ثَبَتَ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ بِالْعَقْدِ وَالْقَبْضِ فِي حَالِ الْكُفْرِ، فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ مِلْكٌ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ، دَوَامُ الْمِلْكِ، وَالْإِسْلَامُ لَا يُنَافِيهِ، كَمُسْلِمٍ تَخَمَّرَ عَصِيرُهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِإِبْطَالِ مِلْكِهِ فِيهَا، وَكَمَا فِي نُزُولِ تَحْرِيمِ الرِّبَا.
وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ أَبْطَلَ مِنْ الرِّبَا مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ ﷺ لِمَا قُبِضَ بِالْفَسْخِ، وَهُوَ أَحَدُ تَأْوِيلَاتِ قَوْلِهِ ﷿ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٧٨] أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِتَرْكِ مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا، وَالْأَمْرُ بِتَرْكِ مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا هُوَ النَّهْيُ عَنْ قَبْضِهِ، وَاَللَّهُ ﷿ الْمُوَفِّقُ.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا، وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا مِنْهُمْ، وَوَفَّقَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَحَمَلَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ عَلَى الذِّمِّيِّينَ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ عَلَى الْحَرْبِيِّينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ (وَجْهُ) رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا عَلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، فَلَمْ يَرْضَ بِاسْتِحْقَاقِ بُضْعِهَا إلَّا بِبَدَلٍ، وَقَدْ تَعَذَّرَ اسْتِحْقَاقُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ أَحَدٍ، فَكَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ كَالْمُسْلِمَةِ (وَجْهُ) رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالْمَيْتَةِ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ كَانَ ذَلِكَ مِنْهَا دَلَالَةَ الرِّضَا بِاسْتِحْقَاقِ بُضْعِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ أَصْلًا كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ حُكْمُ عَقْدِ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ]
(فَصْلٌ) :
ثُمَّ كُلُّ عَقْدٍ إذَا عَقَدَهُ الذِّمِّيُّ كَانَ فَاسِدًا، فَإِذَا عَقَدَهُ الْحَرْبِيُّ؛ كَانَ فَاسِدًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُفْسِدَ لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَلَوْ تَزَوَّجَ كَافِرٌ بِخَمْسِ نِسْوَةٍ أَوْ بِأُخْتَيْنِ، ثُمَّ أَسْلَمَ، فَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدَةٍ وَاحِدَةٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ صَحَّ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ، وَبَطَلَ نِكَاحُ الْخَامِسَةِ، وَكَذَا فِي الْأُخْتَيْنِ يَصِحُّ نِكَاحُ الْأُولَى، وَبَطَلَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَخْتَارُ مِنْ الْخَمْسِ أَرْبَعًا، وَمِنْ الْأُخْتَيْنِ وَاحِدَةً سَوَاءٌ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي عَقَدٍ اسْتِحْسَانًا، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ احْتَجَّ، مُحَمَّدٌ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ غَيْلَانَ أَسْلَمَ، وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ» .
وَرُوِيَ «أَنَّ قَيْسَ بْنَ الْحَارِثِ أَسْلَمَ، وَتَحْتَهُ ثَمَانُ نِسْوَةٍ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» .
وَرُوِيَ «أَنَّ، فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيَّ أَسْلَمَ، وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ، فَخَيَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» ، وَلَمْ يَسْتَفْسِرْ أَنَّ نِكَاحَهُنَّ كَانَ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ.
وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ يَخْتَلِفُ لَاسْتَفْسَرَ، فَدَلَّ أَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ فِيهِ هُوَ التَّخْيِيرُ مُطْلَقًا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْجَمْعَ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ ثَبَتَتْ لِمَعْنًى مَعْقُولٍ، وَهُوَ خَوْفُ الْجَوْرِ فِي إيفَاءِ حُقُوقِهِنَّ، وَالْإِفْضَاءِ إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالْكَافِرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ مَعَ قِيَامِ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دِيَانَتُهُمْ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَثْنًى مِنْ عُهُودِهِمْ، وَقَدْ نُهِينَا عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُمْ عَنْ مِثْلِهِ بَعْدَ إعْطَاءِ الذِّمَّةِ، وَلَيْسَ لَنَا وِلَايَةُ التَّعَرُّضِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ، فَإِذَا أَسْلَمَ، فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ، فَلَا يُمْكِنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْجَمْعِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا كَانَ تَزَوَّجَ الْخَمْسَ فِي عَقْدَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَدْ حَصَلَ نِكَاحُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ جَمِيعًا إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُنَّ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، وَالْجَمْعُ مُحَرَّمٌ، وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ التَّعَرُّضِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاعْتِرَاضِ بِالتَّفْرِيقِ، وَكَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَ الْأُخْتَيْنِ فِي عَقْدَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جُعِلَ جَمْعًا إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، وَالْإِسْلَامُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّفْرِيقِ فَيُفَرَّقُ.
فَأَمَّا إذَا كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ عَلَى التَّرْتِيبِ فِي عَقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ، فَنِكَاحُ الْأَرْبَعِ مِنْهُنَّ، وَقَعَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْحُرَّ يَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَلَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ الْخَامِسَةِ لِحُصُولِهِ جَمْعًا، فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ تَزَوَّجَ الْأُخْتَيْنِ فِي عَقْدَتَيْنِ، فَنِكَاحُ الْأُولَى، وَقَعَ صَحِيحًا إذْ لَا مَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ، وَبَطَلَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ لِحُصُولِهِ جَمْعًا، فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْرِيقِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ.
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ، فَفِيهَا إثْبَاتُ الِاخْتِيَارِ لِلزَّوْجِ الْمُسْلِمِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ ذَلِكَ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ أَوْ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، فَاحْتَمَلَ أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ الِاخْتِيَارَ لِتَجَدُّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ الِاخْتِيَارَ لِيُمْسِكَهُنَّ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ مَعَ مَا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ غَيْلَانَ أَسْلَمَ، وَقَدْ كَانَ تَزَوَّجَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ، وَتَحْرِيمُ الْجَمْعِ ثَبَتَ بِسُورَةِ النِّسَاءِ الْكُبْرَى، وَهِيَ