عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ فَأَقَامَ» .
وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ يُؤَذِّنُ وَبِلَالٌ يُقِيمُ، وَرُبَّمَا أَذَّنَ بِلَالٌ وَأَقَامَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَتَأْوِيلُ مَا رَوَاهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، وَكَانَ يُحِبُّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ (وَمِنْهَا) - أَنْ يُؤَذِّنَ مُحْتَسِبًا، وَلَا يَأْخُذَ عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ أَجْرًا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الطَّاعَةِ، وَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي تَحْصِيلِ الطَّاعَةِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا، وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ، وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ خَاصٌّ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: آخِرُ مَا عَهِدَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ أُصَلِّيَ بِالْقَوْمِ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ، وَأَنْ أَتَّخِذَ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَيْهِ أَجْرًا، وَإِنْ عَلِمَ الْقَوْمُ حَاجَتَهُ فَأَعْطَوْهُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْبِرِّ وَالصَّدَقَةِ وَالْمُجَازَاةِ عَلَى إحْسَانِهِ بِمَكَانِهِمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ بَيَانُ مَحَلِّ وُجُوبِ الْأَذَانِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَحَلِّ وُجُوبِ الْأَذَانِ فَالْمَحَلُّ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْأَذَانُ وَيُؤَذَّنُ لَهُ الصَّلَوَاتُ الْمَكْتُوبَةُ الَّتِي تُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ فِي حَالِ الْإِقَامَةِ، فَلَا أَذَانَ وَلَا إقَامَةَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِوُجُودِ بَعْضِ مَا يَتَرَكَّبُ مِنْهُ الصَّلَاةُ وَهُوَ الْقِيَامُ، إذْ لَا قِرَاءَةَ فِيهَا وَلَا رُكُوعَ وَلَا سُجُودَ وَلَا قُعُودَ، فَلَمْ تَكُنْ صَلَاةً عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَلَا أَذَانَ وَلَا إقَامَةَ فِي النَّوَافِلِ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَالْمَكْتُوبَاتُ هِيَ الْمُخْتَصَّةُ بِأَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ دُونَ النَّوَافِلِ؛ وَلِأَنَّ النَّوَافِلَ تَابِعَةٌ لِلْفَرَائِضِ فَجُعِلَ أَذَانُ الْأَصْلِ أَذَانًا لِلتَّبَعِ تَقْدِيرًا، وَلَا أَذَانَ، وَلَا إقَامَةَ فِي السُّنَنِ لِمَا قُلْنَا، وَلَا أَذَانَ، وَلَا إقَامَةَ فِي الْوِتْرِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا فَكَانَ تَبَعًا لِلْعِشَاءِ، فَكَانَ تَبَعًا لَهَا فِي الْأَذَانِ كَسَائِرِ السُّنَنِ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاجِبٌ، وَالْوَاجِبُ غَيْرُ الْمَكْتُوبَةِ وَالْأَذَانُ مِنْ خَوَاصِّ الْمَكْتُوبَاتِ، وَلَا أَذَانَ وَلَا إقَامَةَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَكْتُوبَةٍ، وَلَا أَذَانَ وَلَا إقَامَةَ فِي جَمَاعَةِ النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ» ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ الْجَمَاعَةُ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِنَّ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ، وَالْجُمُعَةُ فِيهَا أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ؛ لِأَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ تُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ؛ وَلِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ هُوَ الظُّهْرُ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَالْجُمُعَةُ قَائِمَةٌ مُقَامَهُ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ: الْفَرْضُ هُوَ الْجُمُعَةُ ابْتِدَاءً وَهِيَ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ، حَتَّى وَجَبَ تَرْكُ الظُّهْرِ لِأَجْلِهَا، ثُمَّ إنَّهُمَا وَجَبَا لِإِقَامَةِ الظُّهْرِ، فَالْجُمُعَةُ أَحَقُّ، ثُمَّ الْأَذَانُ الْمُعْتَبَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هُوَ مَا يُؤْتَى بِهِ إذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ، وَتَجِبُ الْإِجَابَةُ وَالِاسْتِمَاعُ لَهُ دُونَ الَّذِي يُؤْتَى بِهِ عَلَى الْمَنَارَةِ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ يَقُولُ: الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْأَذَانُ عَلَى الْمَنَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ يَقَعُ بِهِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ الْأَذَانُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ﵄ أَذَانًا وَاحِدًا حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا كَانَتْ خِلَافَةُ عُثْمَانَ ﵁ وَكَثُرَ النَّاسُ أَمَرَ عُثْمَانُ ﵁ بِالْأَذَانِ الثَّانِي عَلَى الزَّوْرَاءِ» وَهِيَ الْمَنَارَةُ، وَقِيلَ: اسْمُ مَوْضِعٍ بِالْمَدِينَةِ، وَصَلَاةُ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ تُؤَدَّى مَعَ الظُّهْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ، وَلَا يُرَاعَى لِلْعَصْرِ أَذَانٌ عَلَى حِدَةٍ، لِأَنَّهَا شُرِعَتْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَكَانَ أَذَانُ الظُّهْرِ وَإِقَامَتُهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ يُكْتَفَى فِيهِمَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ لِمَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنَّ فِي الْجَمْعِ الْأَوَّلِ يُكْتَفَى بِأَذَانٍ وَاحِدٍ لَكِنْ بِإِقَامَتَيْنِ، وَفِي الثَّانِي يُكْتَفَى بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ كَمَا فِي الْجَمْعِ الْأَوَّلِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ لِمَا يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَلَوْ صَلَّى الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ وَحْدَهُ، ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ إذَا صَلَّى الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ وَاكْتَفَى بِأَذَانِ النَّاسِ وَإِقَامَتِهِمْ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ أَقَامَ فَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ تَحَقُّقِ الْجَمَاعَةِ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَعْجَزْ عَنْ التَّشَبُّهِ، فَيُنْدَبُ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الصَّلَاةَ عَلَى هَيْئَةِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ، وَلِهَذَا كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَوَاتِ الْجَهْرِ، وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ وَاكْتَفَى بِأَذَانِ النَّاسِ وَإِقَامَتِهِمْ أَجْزَأَهُ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَقَالَ: يَكْفِينَا أَذَانُ الْحَيِّ وَإِقَامَتُهُمْ،.
أَشَارَ إلَى أَنَّ أَذَانَ الْحَيِّ وَإِقَامَتَهُمْ وَقَعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَيِّ أَلَا تَرَى أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَحْضُرَ مَسْجِدَ الْحَيِّ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْمٍ صَلَّوْا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute