لَكِنْ مَعَ هَذَا لَوْ أَذَّنَ يَجُوزُ لِحُصُولِ الْإِعْلَامِ بِصَوْتِهِ، وَإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ مُؤَذِّنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَ أَعْمَى.
(وَمِنْهَا) : أَنْ يَكُونَ مُوَاظِبًا عَلَى الْأَذَانِ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْإِعْلَامِ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ بِصَوْتِ الْمُوَاظِبِ أَبْلَغُ مِنْ حُصُولِهِ بِصَوْتِ مَنْ لَا عَهْدَ لَهُمْ بِصَوْتِهِ، فَكَانَ أَفْضَلَ وَإِنْ أَذَّنَ السُّوقِيُّ لِمَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَغَيْرُهُ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ - يَجُوزُ؛ لِأَنَّ السُّوقِيَّ يُحْرَجُ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْمَحَلَّةِ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِحَاجَتِهِ إلَى الْكَسْبِ.
(وَمِنْهَا) أَنْ يَجْعَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لِبِلَالٍ: «إذَا أَذَّنْتَ فَاجْعَلْ أُصْبُعَيْكَ فِي أُذُنَيْكَ، فَإِنَّهُ أَنْدَى لِصَوْتِكَ وَأَمَدُّ بَيَّنَ الْحُكْمَ وَنَبَّهَ عَلَى الْحِكْمَةِ» وَهِيَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ أَصْلِ الْإِعْلَامِ بِدُونِهِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَحْسَنَ أَنْ يَجْعَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَإِنْ جَعَلَ يَدَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ فَحَسَنٌ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ جَعَلَ إحْدَى يَدَيْهِ عَلَى أُذُنِهِ فَحَسَنٌ.
(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَلَى الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مُعَظَّمٌ فَإِتْيَانُهُ مَعَ الطَّهَارَةِ أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ بِأَنْ كَانَ مُحْدِثًا يَجُوزُ، وَلَا يُكْرَهُ حَتَّى يُعَادَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعَادُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ لِلْأَذَانِ شَبَهًا بِالصَّلَاةِ، وَلِهَذَا يَسْتَقْبِلُ بِهِ الْقِبْلَةَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ الصَّلَاةُ لَا تَجُوزُ مَعَ الْحَدَثِ، فَمَا هُوَ شَبِيهٌ بِهَا يُكْرَهُ مَعَهُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا رُبَّمَا أَذَّنَ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَلِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَمْنَعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْأَذَانِ وَإِنْ أَقَامَ وَهُوَ مُحْدِثٌ، ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَسَوَّى بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَقَالَ: وَيَجُوزُ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَكْرَهُ إقَامَةَ الْمُحْدِثِ.
(وَالْفَرْقُ) أَنَّ السُّنَّةَ وَصْلُ الْإِقَامَةِ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ، فَكَانَ الْفَصْلُ مَكْرُوهًا بِخِلَافِ الْأَذَانِ، وَلَا تُعَادُ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَهَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ بِخِلَافِ الْأَذَانِ.
وَأَمَّا الْأَذَانُ مَعَ الْجَنَابَةِ فَيُكْرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى يُعَادَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُعَادُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ - وَهُوَ الْإِعْلَامُ -، وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْجَنَابَةِ ظَهَرَ فِي الْفَمِ فَيَمْنَعُ مِنْ الذِّكْرِ الْمُعَظَّمِ كَمَا يَمْنَعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِخِلَافِ الْحَدَثِ، وَكَذَا الْإِقَامَةُ مَعَ الْجَنَابَةِ تُكْرَهُ لَكِنَّهَا لَا تُعَادُ لِمَا مَرَّ.
(وَمِنْهَا) أَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا إذَا أَذَّنَ لِلْجَمَاعَةِ، وَيُكْرَهُ قَاعِدًا؛ لِأَنَّ النَّازِلَ مِنْ السَّمَاءِ أَذَّنَ قَائِمًا حَيْثُ وَقَفَ عَلَى حَذْمِ حَائِطٍ، وَكَذَا النَّاسُ تَوَارَثُوا ذَلِكَ فِعْلًا، فَكَانَ تَارِكُهُ مُسِيئًا لِمُخَالَفَتِهِ النَّازِلَ مِنْ السَّمَاءِ وَإِجْمَاعَ الْخَلْقِ؛ وَلِأَنَّ تَمَامَ الْإِعْلَامِ بِالْقِيَامِ وَيُجْزِئُهُ لِحُصُولِ أَصْلِ الْمَقْصُودِ، وَإِنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ قَاعِدًا فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُرَاعَاةُ سُنَّةِ الصَّلَاةِ لَا الْإِعْلَامُ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ رَاكِبًا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا ﵁ رُبَّمَا أَذَّنَ فِي السَّفَرِ رَاكِبًا، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْأَذَانَ أَصْلًا فِي السَّفَرِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ رَاكِبًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَيَنْزِلُ لِلْإِقَامَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ وَهُوَ رَاكِبٌ، ثُمَّ نَزَلَ وَأَقَامَ عَلَى الْأَرْضِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْزِلْ لَوَقَعَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ بِالنُّزُولِ، وَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَأَمَّا فِي الْحَضَرِ فَيُكْرَهُ الْأَذَانُ رَاكِبًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ ثَمَّ الْمُؤَذِّنُ يَخْتِمُ الْإِقَامَةَ عَلَى مَكَانِهِ، أَوْ يُتِمُّهَا مَاشِيًا، اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: يَخْتِمُهَا عَلَى مَكَانِهِ سَوَاءً كَانَ الْمُؤَذِّنُ إمَامًا أَوْ غَيْرَهُ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُتِمُّهَا مَاشِيًا، وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ قَوْلَهُ: (قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ) فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ مَشَى، وَإِنْ شَاءَ وَقَفَ، إمَامًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀ أَصَحُّ
(وَمِنْهَا) - أَنْ يُؤَذِّنَ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي مَسْجِدَيْنِ، وَيُصَلِّيَ فِي أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ يَكُونُ مُتَنَفِّلًا بِالْأَذَانِ فِي الْمَسْجِدِ الثَّانِي، وَالتَّنَفُّلُ بِالْأَذَانِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ؛ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ يَخْتَصُّ بِالْمَكْتُوبَاتِ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ الثَّانِي يُصَلِّي النَّافِلَةَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ النَّاسَ إلَى الْمَكْتُوبَةِ وَهُوَ لَا يُسَاعِدهُمْ فِيهَا.
(وَمِنْهَا) - أَنَّ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ الَّذِي يُقِيمُ، وَإِنْ أَقَامَ غَيْرُهُ: فَإِنْ كَانَ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ اكْتِسَابَ أَذَى الْمُسْلِمِ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَأَذَّى بِهِ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ تَأَذَّى بِهِ أَوْ لَمْ يَتَأَذَّ (احْتَجَّ) بِمَا رُوِيَ عَنْ أَخِي صُدَاءَ أَنَّهُ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِلَالًا إلَى حَاجَةٍ لَهُ فَأَمَرَنِي أَنْ أُؤَذِّنَ فَأَذَّنْتُ، فَجَاءَ بِلَالٌ وَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ، فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: إنَّ أَخَا صُدَاءَ هُوَ الَّذِي أَذَّنَ وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ الَّذِي يُقِيمُ» .
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ «لَمَّا قَصَّ الرُّؤْيَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ لَهُ: لَقِّنْهَا بِلَالًا، فَأَذَّنَ بِلَالٌ ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ