للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زِيَادَةً وَهِيَ الْيَسَارُ.

وَإِنْ لَمْ يَقُمْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْكَفَالَةِ، وَالنِّكَاحِ، وَالزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يُنْظَرُ إنْ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِمُعَاقَدَةٍ كَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْكَفَالَةِ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَالصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ وَالْخُلْعِ، أَوْ ثَبَتَ تَبَعًا فِيمَا هُوَ مُعَاقَدَةٌ كَالنَّفَقَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ، وَكَذَا فِي الْغَصْبِ وَالزَّكَاةِ، وَإِنْ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَإِحْرَاقِ الثَّوْبِ، أَوْ الْقَتْلِ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَيُوجِبُ الْمَالَ فِي مَالِ الْجَانِي، وَفِي الْخَطَأِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّهُ إنْ وَجَبَ الدَّيْنُ عِوَضًا عَنْ مَالٍ سَالِمٍ لِلْمُشْتَرِي نَحْوَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ الَّذِي سَلِمَ لَهُ الْبَيْعُ وَالْقَرْضُ وَالْغَصْبُ وَالسَّلَمُ الَّذِي أَخَذَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ، وَكُلُّ دَيْنٍ لَيْسَ لَهُ عِوَضٌ أَصْلًا كَإِحْرَاقِ الثَّوْبِ، أَوْ لَهُ عِوَضٌ لَيْسَ بِمَالٍ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْكَفَالَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا يُحْبَسُ؛ لِأَنَّ الْفَقْرَ أَصْلٌ فِي بَنِي آدَمَ، وَالْغِنَى عَارِضٌ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْمَطْلُوبِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِقَوْلِهِ " لِصَاحِبِ الْحَقِّ الْيَدُ وَاللِّسَانُ " وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُحَكَّمُ زِيُّهُ إذَا كَانَ زِيُّهُ زِيَّ الْأَغْنِيَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ وَإِنْ كَانَ زِيُّهُ زِيَّ الْفُقَرَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ، وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ يُحَكَّمُ زِيُّهُ فَيُؤْخَذُ بِحُكْمِهِ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، إلَّا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْفُقَهَاءِ، أَوْ الْعَلَوِيَّةِ، أَوْ الْأَشْرَافِ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَاتِهِمْ التَّكَلُّفَ فِي اللِّبَاسِ وَالتَّجَمُّلَ بِدُونِ الْغِنَى فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَدْيُونِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ (وَجْهُ) مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ : أَنَّ الْقَوْلَ فِي الشَّرْعِ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ، وَإِذَا وَجَبَ الدَّيْنُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ سَلِمَ لَهُ، كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلطَّالِبِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَتْ قُدْرَةُ الْمَطْلُوبِ بِسَلَامَةِ الْمَالِ، وَكَذَا فِي الزَّكَاةِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْغَنِيِّ، فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلطَّالِبِ.

(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ: أَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلطَّالِبِ فِيمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ وَهُوَ إقْدَامُهُ عَلَى الْمُعَاقَدَةِ، فَإِنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى التَّزَوُّجِ دَلِيلُ الْقُدْرَةِ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَزَوَّجُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ، وَلَا يَتَزَوَّجُ أَيْضًا حَتَّى يَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَهْرِ، وَكَذَا الْإِقْدَامُ عَلَى الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُخَالِعُ عَادَةً حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهَا شَيْءٌ، وَكَذَا الصُّلْحُ لَا يُقْدِمُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ، فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلطَّالِبِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانُ مَا يُمْنَعُ الْمَحْبُوسُ عَنْهُ وَمَا لَا يُمْنَعُ]

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُمْنَعُ الْمَحْبُوسُ عَنْهُ وَمَا لَا يُمْنَعُ فَالْمَحْبُوسُ مَمْنُوعٌ عَنْ الْخُرُوجِ إلَى أَشْغَالِهِ وَمُهِمَّاتِهِ، وَإِلَى الْجُمَعِ، وَالْجَمَاعَاتِ، وَالْأَعْيَادِ وَتَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى، وَالزِّيَارَةِ وَالضِّيَافَةِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلتَّوَسُّلِ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِذَا مُنِعَ عَنْ أَشْغَالِهِ وَمُهِمَّاتِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ تَضَجَّرَ فَيُسَارِعُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ أَقَارِبِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِمَا وَضَعَ لَهُ الْحَبْسُ بَلْ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً إلَيْهِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ: مِنْ الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْغُرَمَاءِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ نَفَذَ وَلَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ وِلَايَةُ الْإِبْطَالِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفَاتِ وَلَوْ طَلَبَ الْغُرَمَاءُ الَّذِينَ حُبِسَ لِأَجْلِهِمْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَحْجُرَ عَلَى الْمَحْبُوسِ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا لَمْ يُجِبْهُمْ إلَى ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدُهُمَا لَهُ أَنْ يُجِيبَهُمْ إلَيْهِ.

وَكَذَا إذَا طَلَبُوا مِنْ الْقَاضِي بَيْعَ مَالِهِ عَلَيْهِ مِمَّا سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ لَهُ أَنْ يُجِيبَهُمْ إلَيْهِ عِنْدَهُمَا.

وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يُجِيبُهُمْ إلَى ذَلِكَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْحَجْرِ، لَكِنْ إذَا كَانَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ، وَعِنْدَهُ دَرَاهِمُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِهَا دَيْنَهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ دَرَاهِمَ وَعِنْدَهُ دَنَانِيرُ بَاعَهَا الْقَاضِي بِالدَّرَاهِمِ وَقَضَى بِهَا دَيْنَهُ.

وَكَذَا إذَا كَانَ دَيْنُهُ دَنَانِيرَ وَعِنْدَهُ دَرَاهِمُ بَاعَهَا الْقَاضِي بِالدَّنَانِيرِ وَقَضَى بِهَا دَيْنَهُ، فَرْقٌ بَيْنَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَمْوَالِ أَنَّهُ يَبِيعُ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَلَا يَبِيعُ سَائِرَ الْأَمْوَالِ (وَوَجْهُ) الْفَرْقِ: أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنْ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَكْمُلُ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، وَالْمُؤَدَّى عَنْ أَحَدِهِمَا كَانَ مُؤَدًّى عَنْ الْآخَرِ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُجَانَسَةٌ مِنْ وَجْهٍ، فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَعَيْنِ الْآخَرِ حُكْمًا، وَلَيْسَ بَيْنَ الْعُرُوضِ وَبَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مُجَانَسَةٌ بِوَجْهٍ فَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عَلَى الْمَحْبُوسِ بِبَيْعِهِمَا بِهَا؛ وَلِأَنَّ الْعُرُوضَ إذَا بِيعَتْ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهَا لَا تُشْتَرَى مِثْلَ مَا تُشْتَرَى فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ، بَلْ دُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>