وَقْتُهُ مَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَلَا يُنْتَظَرُ (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ لِلْحَالِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْوَاجِبَ لِلْحَالِ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ أَنَّهُ ﵊ قَالَ «لَا يُسْتَقَادُ مِنْ الْجِرَاحَةِ حَتَّى يَبْرَأَ» .
وَرُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا جَرَحَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ ﵀ فِي فَخِذِهِ بِعَظْمٍ فَجَاءَ الْأَنْصَارُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَطَلَبُوا الْقِصَاصَ فَقَالَ ﵊ انْتَظِرُوا مَا يَكُونُ مِنْ صَاحِبِكُمْ فَأَنَا وَاَللَّهِ مُنْتَظِرُهُ» ، وَهُوَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ السِّرَايَةَ، وَالْجِرَاحَةُ عِنْدَ السِّرَايَةِ تَصِيرُ قَتْلًا فَيُتَبَيَّنُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ، وَهَذَا فَرْعُ مَسْأَلَةٍ ذَكَرْنَاهَا، وَهِيَ أَنَّ الْمَجْرُوحَ إذَا مَاتَ بِالْجِرَاحَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِالنَّفْسِ عِنْدَنَا لَا فِي الطَّرَفِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀ يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[فِي الأعضاء الَّتِي تجب فِيهَا الدِّيَة كاملة]
وَأَمَّا الَّذِي فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي بَيَانِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَالثَّانِي فِي بَيَانِ شَرَائِطِهِ.
أَمَّا السَّبَبُ فَهُوَ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْعُضْوِ عَلَى الْكَمَالِ، وَذَلِكَ فِي الْأَصْلِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إبَانَةُ الْعُضْوِ وَإِذْهَابُ مَعْنَى الْعُضْوِ مَعَ بَقَاءِ الْعُضْوِ صُورَةً.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْأَعْضَاءُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِانْتِهَاءِ كَمَالِ الدِّيَةِ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةِ: نَوْعٌ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْبَدَنِ، وَنَوْعٌ فِي الْبَدَنِ مِنْهُ اثْنَانِ، وَنَوْعٌ فِي الْبَدَنِ مِنْهُ أَرْبَعَةٌ (أَمَّا) الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْبَدَنِ فَسِتَّةُ أَعْضَاءٍ أَحَدُهَا الْأَنْفُ سَوَاءٌ اسْتَوْعَبَ جَدْعًا أَوْ قُطِعَ الْمَارِنُ مِنْهُ وَحْدَهُ، وَهُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ، وَالثَّانِي اللِّسَانُ سَوَاءٌ اسْتَوْعَبَ قَطْعًا أَوْ قُطِعَ مِنْهُ مَا يَذْهَبُ بِالْكَلَامِ كُلِّهِ، وَالثَّالِثُ الذَّكَرُ سَوَاءٌ اسْتَوْعَبَ قَطْعًا أَوْ قُطِعَ الْحَشَفَةُ مِنْهُ وَحْدَهَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ ﷺ قَالَ «فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ وَفِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ» وَرُوِيَ أَنَّهُ ﵊ كَتَبَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ وَفِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ» وَلِأَنَّهُ أَبْطَلَ الْمَنَافِعَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ، وَالْجَمَالَ أَيْضًا مِنْ بَعْضِهَا فَالْمَقْصُودُ مِنْ الْأَنْفِ الشَّمُّ وَالْجَمَالُ أَيْضًا، وَمِنْ اللِّسَانِ الْكَلَامُ، وَمِنْ الذَّكَرِ الْجِمَاعُ، وَالْحَشَفَةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَنْفَعَةُ الْإِنْزَالِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالْقَطْعِ.
وَإِنْ كَانَ ذَهَبَ بَعْضُ الْكَلَامِ بِقَطْعِ بَعْضِ اللِّسَانِ دُونَ بَعْضٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ الْعَدْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ، وَقِيلَ تُقَسَّمُ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ حُرُوفِ الْهِجَاءِ فَيَجِبُ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ مَا فَاتَ مِنْ الْحُرُوفِ.
وَنُقِلَتْ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ ﵁ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اللِّسَانِ هُوَ الْكَلَامُ، وَقَدْ فَاتَ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ فَيَجِبُ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ الْفَائِتِ مِنْهَا لَكِنْ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ الْحُرُوفُ الَّتِي تَفْتَقِرُ إلَى اللِّسَانِ فَأَمَّا مَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى اللِّسَانِ مِنْ الشَّفَوِيَّةِ وَالْحَلْقِيَّةِ كَالْبَاءِ وَالْفَاءِ وَالْهَاءِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا تَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ.
وَالرَّابِعُ الصُّلْبُ إذَا احْدَوْدَبَ بِالضَّرْبِ وَانْقَطَعَ الْمَاءُ، وَهُوَ الْمَنِيُّ، فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِوُجُودِ تَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ.
وَالْخَامِسُ مَسْلَكُ الْبَوْلِ.
وَالسَّادِسُ مَسْلَكُ الْغَائِطِ مِنْ الْمَرْأَةِ إذَا أَفْضَاهَا إنْسَانٌ فَصَارَتْ لَا تَسْتَمْسِكُ الْبَوْلَ أَوْ الْغَائِطَ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فَإِنْ صَارَتْ لَا تَسْتَمْسِكهُمَا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً بِالْعُضْوِ عَلَى الْكَمَالِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الدِّيَةِ (وَأَمَّا) الْأَعْضَاءُ الَّتِي فِي الْبَدَنِ مِنْهَا اثْنَانِ فَالْعَيْنَانِ، وَالْأُذُنَانِ، وَالشَّفَتَانِ، وَالْحَاجِبَانِ إذَا ذَهَبَ شَعْرُهُمَا وَلَمْ يَنْبُتْ، وَالثَّدْيَانِ وَالْحَلَمَتَانِ وَالْأُنْثَيَانِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ ﵊ قَالَ «وَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ» وَلِأَنَّ فِي الْقَطْعِ كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْ هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً أَوَتَفْوِيتُ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ كَمَنْفَعَةِ الْبَصَرِ فِي الْعَيْنَيْنِ وَالْبَطْشِ فِي الْيَدَيْنِ وَالْمَشْيِ فِي الرِّجْلَيْنِ وَالْجَمَالِ فِي الْأُذُنَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ إذَا لَمْ يَنْبُتَا وَالشَّفَتَيْنِ وَمَنْفَعَةِ إمْسَاكِ الرِّيقِ فِي إحْدَاهُمَا وَهِيَ السُّفْلَى.
وَالثَّدْيَانِ وِكَاءٌ لِلَّبَنِ، وَفِي الْحَلَمَتَيْنِ مَنْفَعَةُ الرَّضَاعِ، وَالْأُنْثَيَانِ وِكَاءُ الْمَنِيِّ (وَأَمَّا) الْأَعْضَاءُ الَّتِي مِنْهَا أَرْبَعَةٌ فِي الْبَدَنِ فَنَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا أَشْفَارُ الْعَيْنَيْنِ، وَهِيَ مَنَابِتُ الْأَهْدَابِ إذَا لَمْ تَنْبُتْ لِمَا فِي تَفْوِيتِهَا مِنْ تَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْبَصَرِ وَالْجَمَالِ أَيْضًا عَلَى الْكَمَالِ، وَفِي كُلِّ شَفْرٍ مِنْهَا رُبْعُ الدِّيَةِ.
وَالثَّانِي الْأَهْدَابُ، وَهِيَ شَعْرُ الْأَشْفَارِ إذَا لَمْ تَنْبُتْ لِمَا قُلْنَا (وَأَمَّا) إذْهَابُ مَعْنَى الْعُضْوِ مَعَ بَقَاءِ صُورَتِهِ فَنَحْوُ الْعَقْلِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَالْجِمَاعِ وَالْإِيلَادِ بِأَنْ ضُرِبَ عَلَى رَأْسِ إنْسَانٍ فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ سَمْعُهُ أَوْ كَلَامُهُ أَوْ شَمُّهُ أَوْ ذَوْقُهُ أَوْ جِمَاعُهُ أَوْ إيلَادُهُ بِأَنْ ضُرِبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَذَهَبَ مَاءُ صُلْبِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ قَضَى فِي رَجُلٍ وَاحِدٍ