للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي بَيْعِهِ أَجَلٌ وَلَا يَفْسُدُ فِي الْآخَرِ، وَكَذَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ وَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْقِنِّ وَيَفْسُدُ فِي الْمُدَبَّرِ لِوُجُودِ الْمُفْسِدِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَذَا هَذَا.

(وَمِنْهَا) قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ.

وَهُوَ السَّلَمُ، وَالْكَلَامُ فِي السَّلَمِ فِي الْأَصْلِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ.

أَحَدُهَا: فِي بَيَانِ رُكْنِهِ، وَالثَّانِي: فِي بَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ، وَالثَّالِثُ: فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَمَا لَا يَجُوزُ.

أَمَّا رُكْنُ السَّلَمِ فَهُوَ لَفْظُ السَّلَمِ وَالسَّلَفِ وَالْبَيْعِ بِأَنْ يَقُولَ رَبُّ السَّلَمِ: أَسْلَمْتُ إلَيْكَ فِي كَذَا أَوْ أَسْلَفْتُ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ وَالسَّلَفَ مُسْتَعْمَلَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، يُقَالُ: سَلَّفْتُ وَأَسْلَفْتُ وَأَسْلَمْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَإِذَا قَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ: قَبِلْتُ فَقَدْ تَمَّ الرُّكْنُ، وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ: بِعْتُ مِنْكَ كَذَا وَذَكَرَ شَرَائِطَ السَّلَمِ، فَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ: قَبِلْتُ، وَهَذَا قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ السَّلَمَ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ أَصْلًا، لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِجَوَازِهِ بِلَفْظِ السَّلَمِ بِقَوْلِهِ: وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ.

(وَلَنَا) أَنَّ السَّلَمَ بَيْعٌ فَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» نَهَى ﵊ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ عَامًّا، وَرُخِّصَ السَّلَمُ بِالرُّخْصَةِ فِيهِ فَدَلَّ أَنَّ السَّلَمَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ لِيَسْتَقِيمَ تَخْصِيصُهُ عَنْ عُمُومِ النَّهْيِ بِالتَّرَخُّصِ فِيهِ.

[فَصْلٌ فِي شَرَائِطُ الرُّكْنِ وَهِيَ نَوْعَانِ نَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْعَقْدِ وَنَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى الْبَدَلِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا شَرَائِطُ الرُّكْنِ فَهِيَ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْعَقْدِ، وَنَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى الْبَدَلِ.

(أَمَّا) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْعَقْدِ فَوَاحِدٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ بَاتًّا عَارِيًّا عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْعَاقِدَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا، لِأَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ مَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ فِي الْأَصْلِ ثَبَتَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ لِلْحَالِ، وَشَرْطُ الْخِيَارِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ، وَمِثْلُ هَذَا الشَّرْطِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا جَوَازَهُ بِالنَّصِّ، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، خُصُوصًا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ، وَالسِّلْمُ لَيْسَ فِي مَعْنَى بَيْعِ الْعَيْنِ فِيمَا شُرِعَ لَهُ الْخِيَارُ، لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْغَبْنِ، وَالسَّلَمُ مَبْنَاهُ عَلَى الْغَبْنِ وَوَكْسِ الثَّمَنِ، لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَفَالِيسِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى مَوْرِدِ النَّصِّ فَوُرُودُ النَّصِّ هُنَاكَ لَا يَكُونُ وُرُودًا هَهُنَا دَلَالَةً فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِيهِ لِلْقِيَاسِ، وَلِأَنَّ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَلَا صِحَّةَ لِلْقَبْضِ إلَّا فِي الْمِلْكِ.

وَخِيَارُ الشَّرْطِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فَيَمْنَعُ الْمُسْتَحِقُّ صِحَّةَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ الْمُسْتَحَقِّ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ السَّلَمَ حَتَّى لَوْ اسْتَحَقَّ رَأْسَ الْمَالِ وَقَدْ افْتَرَقَا عَنْ الْقَبْضِ وَأَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ فَالسَّلَمُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَجَازَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ صَحِيحًا مِنْ حِينِ وُجُودِهِ، وَكَذَا الْقَبْضُ إذْ الْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ وَبِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ، وَلَوْ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِأَبْدَانِهِمَا.

وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ جَائِزًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا أَوْ مُسْتَهْلَكًا لَا يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ يَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَالسَّلَمُ لَا يَنْعَقِدُ بِرَأْسِ مَالِ دَيْنٍ فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا.

(وَأَمَّا) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْبَدَلِ فَأَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: نَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ خَاصَّةً، وَنَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ خَاصَّةً، وَنَوْعٌ يَرْجِعُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا (أَمَّا) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ.

فَأَنْوَاعٌ.

(مِنْهَا) بَيَانُ جِنْسِهِ كَقَوْلِنَا: دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ أَوْ حِنْطَةٌ أَوْ تَمْرٌ.

(وَمِنْهَا) بَيَانُ نَوْعِهِ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ كَقَوْلِنَا: دَرَاهِمُ فَتْحِيَّةٌ أَوْ دَنَانِيرُ نَيْسَابُورِيَّةٌ أَوْ حِنْطَةٌ سَقِيَّةٌ أَوْ تَمْرٌ بَرْنِيُّ.

(وَمِنْهَا) بَيَانُ صِفَتِهِ كَقَوْلِنَا: جَيِّدٌ أَوْ وَسَطٌ أَوْ رَدِيءٌ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَإِنَّهَا مَانِعَةٌ صِحَّةَ الْبَيْعِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ فِيمَا تَقَدَّمَ.

(وَمِنْهَا) بَيَانُ قَدْرِهِ.

إذَا كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ، وَلَا يُكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَالتَّعْيِينُ بِالْإِشَارَةِ كَافٍ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ ﵀.

وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِقَدْرِهِ مِنْ الذَّرْعِ يات وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ.

لَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُ قَدْرِهِ وَيُكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا إعْلَامُ قَدْرِ الثَّمَنِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَالْإِشَارَةُ كَافِيَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ: أَسْلَمْتُ إلَيْكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ أَوْ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ وَلَا يُعْرَفُ وَزْنُهَا أَوْ هَذِهِ الصُّبْرَةَ وَلَمْ يُعْرَفْ كَيْلُهَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>