للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاسْتِحْلَافَ لَا يَجْرِي فِي النِّكَاحِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجْرِي وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى مِمَّا يَحْتَمِلُ الْبَذْلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ كَوْنِهِ مُحْتَمِلًا لِلْإِقْرَارِ وَعِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ سَوَاءٌ احْتَمَلَ الْبَذْلَ أَوْ لَا وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ أَنَّهَا لَا يَجْرِي فِيهَا الِاسْتِحْلَافُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ النِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ وَالْفَيْءُ فِي الْإِيلَاءِ وَالنَّسَبُ وَالرِّقُّ وَالْوَلَاءُ وَالِاسْتِيلَادُ أَمَّا النِّكَاحُ فَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ تَدَّعِي امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَوْجُهَا وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي وَطَلَب يَمِينَ الْمُنْكِرِ وَأَمَّا الرَّجْعَةُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ لِلْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَدْ كُنْت رَاجَعَتْك وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ وَعَجَزَ الزَّوْجُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَطَلَب يَمِينَهَا وَأَمَّا الْفَيْءُ فِي الْإِيلَاءِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ وَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَقَالَ قَدْ كُنْت فِئْت إلَيْك بِالْجِمَاعِ فَلَمْ تُبَيِّنِي فَقَالَتْ لَمْ تَفِئْ إلَيَّ وَلَا بَيِّنَةَ لِلزَّوْجِ فَطَلَب يَمِينَهَا وَأَمَّا النَّسَبُ فَنَحْوُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ وَطَلَب يَمِينَهُ وَأَمَّا الرِّقُّ فَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَأَنْكَرَ وَقَالَ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ رِقٌّ أَبَدًا وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي فَطَلَب يَمِينَهُ وَأَمَّا الْوَلَاءُ فَإِنَّهُ يَدَّعِي عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ أَبَاهَا وَأَنَّ أَبَاهَا مَاتَ وَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَأَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونَ أَعْتَقَهُ وَأَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهُ ثَابِتًا مِنْهُ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي فَطَلَب يَمِينَهَا عَلَى مَا أَنْكَرَتْ مِنْ الْوَلَاءِ وَأَمَّا الِاسْتِيلَادُ فَهُوَ أَنْ تَدَّعِيَ أَمَةٌ عَلَى مَوْلَاهَا فَتَقُولُ أَنَا أُمُّ وَلَدٍ لِمَوْلَايَ وَهَذَا وَلَدِي فَأَنْكَرَ الْمَوْلَى لَا يَجْرِي الِاسْتِحْلَافُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ السَّبْعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجْرِي وَالدَّعْوَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ تُتَصَوَّرُ فِي الْفُصُولِ السِّتَّةِ وَفِي الِاسْتِيلَادِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ جَانِبُ الْأَمَةِ فَأَمَّا جَانِبُ الْمَوْلَى فَلَا تُتَصَوَّرُ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى لَثَبَتَ بِنَفْسِ الدَّعْوَى وَهَذَا بِنَاء عَلَى مَا ذَكَرنَا أَنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ عَنْهُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تَحْتَمِلُ الْبَذْلَ وَعِنْدَهُمَا إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَثْبُت بِدَلِيلٍ فِيهِ شُبْهَةٌ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ نُكُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَلِيلُ كَوْنِهِ كَاذِبًا فِي إنْكَارِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَادِقًا لَمَا امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ فَكَانَ النُّكُولُ إقْرَارًا دَلَالَةً إلَّا أَنَّهُ دَلَالَةٌ قَاصِرَةٌ فِيهَا شُبْهَةُ الْعَدَمِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَثْبُتُ بِدَلِيلٍ قَاصِرٍ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) أَنَّ النُّكُولَ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ لَمَا قُلْتُمْ وَيَحْتَمِلُ الْبَذْلَ لِأَنَّ الْعَاقِلَ الدَّيِّنَ كَمَا يَتَحَرَّجُ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ يَتَحَرَّجُ عَنْ التَّغْيِيرِ وَالطَّعْنِ بِالْيَمِينِ بِبَذْلِ الْمُدَّعِي إلَّا أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْبَذْلِ أَوْلَى لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ إقْرَارًا لَكَذَّبْنَاهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِنْكَارِ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ بَذْلًا لَمْ نَكْذِبْهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ هَذَا لَك وَلَكِنِّي لَا أَمْنَعُك عَنْهُ وَلَا أُنَازِعُك فِيهِ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى التَّكْذِيبِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تَحْتَمِلُ الْبَذْلَ فَلَا تَحْتَمِلُ النُّكُولَ فَلَا تَحْتَمِلُ التَّحْلِيفَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعِيَ لِيَنْكُلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَحْتَمِلْ النُّكُولَ لَا يَحْتَمِل التَّحْلِيفَ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ فَالْكَلَامُ فِيهِ يَتَعَلَّقُ بِمَوْضِعَيْنِ (أَحَدُهُمَا) فِي بَيَانِ صِفَةِ التَّحْلِيفِ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَيْفَ يَحْلِفُ وَالثَّانِي فِي بَيَانِ صِفَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلَى مَاذَا يَحْلِفُ (أَمَّا الْأَوَّلُ) فَالْأَمْرُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ الْحَالِفُ مُسْلِمًا وَإِمَّا أَنْ كَانَ كَافِرًا فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَيُحَلِّفُهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ تَعَالَى إنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِ تَغْلِيظٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حَلَّفَ يَزِيدَ بْنَ رُكَانَةَ أَوْ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ بِاَللَّهِ ﷿ مَا أَرَدْت بِالْبَتَّةِ ثَلَاثًا» وَإِنْ شَاءَ غَلَّظَ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِتَغْلِيظِ الْيَمِينِ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حَلَّفَ ابْنَ صُورِيَّا الْأَعْوَرَ وَغَلَّظَ فَقَالَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى سَيِّدِنَا مُوسَى أَنَّ حَدَّ الزِّنَا فِي كِتَابِكُمْ هَذَا» .

وَقَالَ مَشَايِخُنَا يَنْظُرُ إلَى حَالِ الْحَالِفِ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُخَافُ مِنْهُ الِاجْتِرَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ يَكْتَفِي فِيهِ بِاَللَّهِ ﷿ مِنْ غَيْرِ تَغْلِيظٍ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُخَافُ مِنْهُ ذَلِكَ تُغَلَّظُ لِأَنَّ مِنْ الْعَوَامّ مَنْ لَا يُبَالِي عَنْ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ ﷿ كَاذِبًا فَإِذَا غُلِّظَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ يَمْتَنِعُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الْمَالُ الْمُدَّعَى يَسِيرًا يَكْتَفِي فِيهِ بِاَللَّهِ ﷿ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يُغَلَّظُ وَصِفَةُ التَّغْلِيظِ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالَمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدُّ تَغْلِيظًا فِي الْيَمِينِ.

وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ كَافِرًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ ﷿ أَيْضًا ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ مُشْرِكًا لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يُنْكِرُونَ الصَّانِعَ قَالَ اللَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [لقمان: ٢٥]

<<  <  ج: ص:  >  >>