للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُنَازَعَتُهُمَا فِيهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ فَصَارَ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ فَلَمَّا صَارَ هَذَا الْعَبْدُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ صَارَ الْعَبْدُ الْآخَرُ عَلَى سِتَّةٍ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ مِنْهُمَا سَهْمَانِ فَصَارَ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الثُّلُثِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمَانِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي لَا وَصِيَّةَ فِيهِ، وَسَهْمٌ فِي الْعَبْدِ الَّذِي فِيهِ وَصِيَّةٌ، وَوَصِيَّةُ صَاحِبِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ جَمِيع الْمَالِ اثْنَا عَشَرَ فَثُلُثُهَا أَرْبَعَةٌ.

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَضْرِبُ لَهُ إلَّا بِالثُّلُثِ فَنَطْرَحُ مِنْ وَصِيَّتِهِ سَهْمًا فَتَصِيرُ وَصِيَّتُهُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ، وَوَصِيَّةُ الْآخَرِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَذَلِكَ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ فَاجْعَلْ هَذَا ثُلُثَ الْمَالِ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَجَمِيعُ الْمَالِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَمَالُهُ عَبْدَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ كُلَّ عَبْدٍ عَلَى عَشَرَةٍ، وَنِصْفٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَبْدٍ مِقْدَارُ نِصْفِ الْمَالِ فَيَدْفَعُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِهِ وَصِيَّتَهُمَا فِيهِ، وَيَدْفَعُ إلَيْهِمَا بِوَصِيَّةِ صَاحِبِ الْجَمِيعِ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ فِي الْعَبْدِ فَيَدْفَعُ ذَلِكَ إلَيْهِ، وَوَصِيَّةُ صَاحِبِ الْعَبْدِ سَهْمٌ وَاحِد فِي الْعَبْدِ، فَيَدْفَع ذَلِكَ إلَيْهِ فَبَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَنِصْفٌ فَادْفَعْ ذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي لَا وَصِيَّةَ فِيهِ سَهْمَانِ، وَيَدْفَعُ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَيَبْقَى مِنْ هَذَا الْعَبْدِ ثَمَانِيَةٌ وَنِصْفٌ يَدْفَعُ إلَى الْوَرَثَةِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَصَارَتْ كُلُّهَا سَبْعَةَ أَسْهُمٍ، وَهِيَ ثُلُثُ الْمَالِ، فَحَصَلَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ مِنْهُمَا خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمَانِ، وَحَصَلَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِهِ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ، وَمِنْ الْعَبْدِ الَّذِي لَا وَصِيَّةَ فِيهِ ثَمَانِيَةٌ وَنِصْفٌ فَذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَهِيَ ثُلُثَا الْمَالِ فَاسْتَقَامَ الْحِسَابُ عَلَى الثُّلُثِ، وَالثُّلُثَيْنِ.

وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ: فَيُقْسَمُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ فَنَقُولُ: اجْتَمَعَ فِي الْعَبْدِ وَصِيَّتَانِ: وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِهِ، وَوَصِيَّةٌ بِثُلُثِهِ، وَمَخْرَجُ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَضْرِبُ بِالْجَمِيعِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يَضْرِب بِثُلُثِهِ، وَهُوَ سَهْمٌ فَصَارَ الْعَبْدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ، وَهُوَ مَعْنَى الْعَوْلِ فَلَمَّا صَارَ هَذَا الْعَبْدُ عَلَى أَرْبَعَةٍ بِالْعَوْلِ يُجْعَلُ الْعَبْدُ الْآخَرُ عَلَى ثَلَاثَةٍ بِغَيْرِ عَوْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْعَوْلِ فِي ذَلِكَ الْعَبْدِ فَسَهْمٌ مِنْ ذَلِكَ الْعَبْدِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَصَارَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمَيْنِ: سَهْمٌ مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي فِيهِ الْوَصِيَّةُ، وَسَهْمٌ مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي لَا وَصِيَّةَ فِيهِ، وَوَصِيَّةُ صَاحِبِ الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ فَاجْعَلْ هَذَا ثُلُثَ الْمَالِ، وَثُلُثَاهُ مِثْلَاهُ، وَذَلِكَ عَشَرَةٌ، وَالْجَمِيعُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَمَالَهُ عَبْدَانِ فَيَصِيرُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى سَبْعَةٍ، وَنِصْفٍ فَيَدْفَعُ وَصِيَّةَ صَاحِبِ الْعَبْدِ مِنْ الْعَبْدِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ، وَوَصِيَّةُ صَاحِبِ الثُّلُثِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ سَهْمٌ يَبْقَى مِنْ هَذَا الْعَبْدِ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ فَيُدْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ، وَيُدْفَعُ مِنْ الْعَبْدِ الْآخَرِ سَهْمٌ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَبْقَى سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَنِصْفٌ مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي فِيهِ الْوَصِيَّةُ وَسِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَنِصْفٌ مِنْ الْعَبْدِ الْآخَرِ فَاسْتَقَامَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى الثُّلُثِ، وَالثُّلُثَيْنِ، وَاَللَّه - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي صِفَةِ عَقْدِ الْوَصِيَّةَ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا صِفَةُ هَذَا الْعَقْدِ فَلَهُ صِفَتَانِ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْوُجُودِ، وَالْأُخْرَى بَعْدَ الْوُجُودِ، أَمَّا الَّتِي هِيَ قَبْلَ الْوُجُودِ فَهِيَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَاجِبَةٌ، وَبِمَا وَرَاءَهَا جَائِزَةٌ، وَمَنْدُوبٌ إلَيْهَا، وَمُسْتَحَبَّةٌ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَعِنْد بَعْضِ النَّاسِ: الْكُلُّ وَاجِبٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي صَدْر الْكِتَابِ.

وَأَمَّا الَّتِي هِيَ بَعْدَ الْوُجُودِ فَهِيَ أَنَّ هَذَا عَقَدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْمُوصَى حَتَّى يَمْلِكَ الرُّجُوعَ عِنْدنَا مَا دَامَ حَيًّا؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ قَبْلَ مَوْتِهِ مُجَرَّدُ إيجَابٍ، وَأَنَّهُ مُحْتَمَلُ الرُّجُوعِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَهِيَ بِالتَّبَرُّعِ أَوْلَى كَمَا فِي الْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ إلَّا التَّدْبِيرَ الْمُطْلَقَ خَاصَّةً فَإِنَّهُ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ وَصِيَّةً؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ يُضَافُ إلَى الْمَوْتِ، وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ، وَالْعِتْقُ لَازِمٌ.

وَكَذَا سَبَبُهُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ حُكْمٍ لَازِمٍ.

وَكَذَا التَّدْبِيرُ الْمُقَيَّدُ لَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ نَصًّا، وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُهُ دَلَالَةً بِالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ تَعَلَّقَ بِمَوْتٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ، وَقَدْ لَا تُوجَدُ تِلْكَ الصِّفَةُ فَلَمْ يَسْتَحْكِمْ السَّبَبُ، ثُمَّ الرُّجُوعُ قَدْ يَكُونُ نَصًّا، وَقَدْ يَكُونُ دَلَالَة، وَقَدْ يَكُونُ ضَرُورَةً، أَمَّا النَّصُّ فَهُوَ أَنْ يَقُول الْمُوصِي: رَجَعْتُ، أَمَّا الدَّلَالَةُ فَقَدْ تَكُونُ فِعْلًا، وَقَدْ تَكُونُ قَوْلًا، وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ فِي الْمُوصَى بِهِ فِعْلًا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الرُّجُوعِ أَوْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الرُّجُوعِ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا فَعَلَ فِي الْمُوصَى بِهِ فِعْلًا لَوْ فَعَلَهُ فِي الْمَغْصُوبِ لَانْقَطَعَ بِهِ مِلْكُ الْمَالِكِ - كَانَ رُجُوعًا كَمَا إذَا أَوْصَى بِثَوْبٍ ثُمَّ قَطَعَهُ، وَخَاطَهُ قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً أَوْ بِقُطْنٍ ثُمَّ غَزَلَهُ أَوْ لَمْ يَغْزِلْهُ ثُمَّ نَسَجَهُ أَوْ بِحَدِيدَةٍ ثُمَّ صَنَعَ مِنْهَا إنَاءً أَوْ سَيْفًا أَوْ سِكِّينًا أَوْ بِفِضَّةٍ ثُمَّ صَاغَ مِنْهَا حُلِيًّا، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>