للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ النَّفَلَ وَالْفَرْضَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَدَاءُ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ التَّبَعَ لَا يَسْتَتْبِعُ الْأَصْلَ، وَعَلَى هَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِصَلَاةِ النَّافِلَةِ رَأْسًا؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ وَالضَّرُورَةُ فِي الْفَرَائِضِ لَا فِي النَّوَافِلِ، وَعِنْدَنَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى إسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ بِهِ يَحْتَاجُ إلَى إحْرَازِ الثَّوَابِ لِنَفْسِهِ، وَالْحَاجَةُ إلَى إحْرَازِ الثَّوَابِ حَاجَةٌ مُعْتَبَرَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ الطَّهَارَةُ لِأَجْلِهِ؛ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَتْ طَهَارَةُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي حَقِّ النَّوَافِلِ بِلَا خِلَافٍ كَذَا هَهُنَا، (وَأَمَّا) الْخِلَافُ الَّذِي مَعَ أَصْحَابِنَا فِي كَيْفِيَّةِ الْبَدَلِيَّةِ فَهُوَ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ التُّرَابَ بَدَلٌ عَنْ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَالْبَدَلِيَّةُ بَيْنَ التُّرَابِ وَبَيْنَ الْمَاءِ أَوْ التَّيَمُّمُ بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَالْبَدَلِيَّةُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَبَيْنَ الْوُضُوءِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: إنَّ التُّرَابَ بَدَلٌ عَنْ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَالْبَدَلِيَّةُ بَيْنَ التُّرَابِ وَالْمَاءِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: التَّيَمُّمُ بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَالْبَدَلِيَّةُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَبَيْنَ الْوُضُوءِ وَاحْتَجَّ مُحَمَّدٌ لِتَصْحِيحِ أَصْلِهِ بِالْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «التَّيَمُّمُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ» الْحَدِيثُ سَمَّى التَّيَمُّمَ وُضُوءًا دُونَ التُّرَابِ، وَهُمَا احْتَجَّا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ: تَعَالَى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [المائدة: ٦] أَقَامَ الصَّعِيدَ مَقَامَ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ»

وَقَالَ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَيَتَفَرَّعُ عَنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا أَمَّ الْمُتَوَضِّئِينَ جَازَتْ إمَامَتُهُ إيَّاهُمْ، وَصَلَاتُهُمْ جَائِزَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُتَوَضِّئِينَ مَاءٌ فِي قَوْلِ، أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ مَاءٌ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُمْ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُمْ مَاءٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَجُوزُ، كَانَ مَعَهُمْ مَاءٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَجْهُ الْبِنَاءِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَمَّا كَانَتْ الْبَدَلِيَّةُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَبَيْنَ الْوُضُوءِ فَالْمُقْتَدِي إذَا كَانَ عَلَى وُضُوءٍ لَمْ يَكُنْ تَيَمُّمُ الْإِمَامِ طَهَارَةً فِي حَقِّهِ، لِوُجُودِ الْأَصْلِ فِي حَقِّهِ، فَكَانَ مُقْتَدِيًا بِمَنْ لَا طَهَارَةَ لَهُ فِي حَقِّهِ فَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، كَالصَّحِيحِ إذَا اقْتَدَى بِصَاحِبِ الْجُرْحِ السَّائِلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ، لِأَنَّ طَهَارَةَ الْإِمَامِ لَيْسَتْ بِطَهَارَةٍ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي، فَلَمْ تُعْتَبَرْ طَهَارَتُهُ فِي حَقِّهِ فَكَانَ مُقْتَدِيًا بِمَنْ لَا طَهَارَةَ لَهُ فِي حَقِّهِ، فَلَمْ يَجُزْ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ كَذَا هَذَا، وَلَمَّا كَانَتْ الْبَدَلِيَّةُ بَيْنَ التُّرَابِ وَبَيْنَ الْمَاءِ عِنْدَهُمَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُقْتَدِينَ مَاءٌ كَانَ التُّرَابُ طَهَارَةً مُطْلَقَةً فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ، فَيَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُمْ بِهِ فَصَارَ كَاقْتِدَاءِ الْغَاسِلِ بِالْمَاسِحِ بِخِلَافِ صَاحِبِ الْجُرْحِ السَّائِلِ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ ضَرُورِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ يُقَارِنُهَا أَوْ يَطْرَأُ عَلَيْهَا فَلَا تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ، وَإِذَا كَانَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَقَدْ فَاتَ الشَّرْطُ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِينَ فَلَا يَبْقَى التُّرَابُ طَهُورًا فِي حَقِّهِمْ، فَلَمْ تَبْقَ طَهَارَةُ الْإِمَامِ طَهَارَةً فِي حَقِّهِمْ فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُمْ بِهِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْمُتَيَمِّمُ إذَا أَمَّ الْمُتَوَضِّئِينَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مَاءٌ، ثُمَّ رَأَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْمَاءَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْإِمَامُ وَالْآخَرُونَ، حَتَّى فَرَغُوا فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ.

وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَفْسُدُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَضِّئٌ فِي نَفْسِهِ، فَرُؤْيَةُ الْمَاءِ لَا تَكُونُ مُفْسِدَةً فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ،.

(وَلَنَا) أَنَّ طَهَارَةَ الْإِمَامِ جُعِلَتْ عَدَمًا فِي حَقِّهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ، إذْ لَا يَبْقَى الْخَلْفُ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ فَصَارَ مُعْتَقِدًا فَسَادَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَالْمُقْتَدِي إذَا اعْتَقَدَ فَسَادَ صَلَاةِ الْإِمَامِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِمْ الْقِبْلَةُ فَتَحَرَّى الْإِمَامُ إلَى جِهَةٍ وَالْمُقْتَدِي إلَى جِهَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ إمَامَهُ يُصَلِّي إلَى جِهَةٍ أُخْرَى لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ كَذَا هَذَا، ثُمَّ نَتَكَلَّمُ فِي الْمَسْأَلَةِ ابْتِدَاءً: فَحُجَّةُ مُحَمَّدٍ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ، وَلَا الْمُقَيَّدُ الْمُطْلَقِينَ وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ، وَحُجَّتُهُمَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حِينَ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى سَرِيَّةٍ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فَهُوَ مَذْهَبُهُ وَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْمَسْأَلَةُ إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً بَيْنَ الصَّحَابَةِ لَا يَكُونُ قَوْلُ الْبَعْضِ حُجَّةً عَلَى الْبَعْضِ، عَلَى أَنَّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَؤُمُّ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ أَمَّ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَؤُمُّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ» ثُمَّ لَوْ أَمَّ جَازَ كَذَا هَذَا.

[فَصْلٌ فِي بَيَانُ مَا يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ فَاَلَّذِي يَنْقُضُهُ نَوْعَانِ: عَامٌّ، وَخَاصٌّ أَمَّا الْعَامُّ فَكُلُّ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مِنْ الْحَدَثِ الْحَقِيقِيِّ وَالْحُكْمِيِّ يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مَوْضِعِهِ.

وَأَمَّا الْخَاصُّ: وَهُوَ مَا يَنْقُضُ التَّيَمُّمَ عَلَى الْخُصُوصِ

<<  <  ج: ص:  >  >>