مِنْ خُنْثَى مُشْكِلَانِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا رَجُلٌ وَالْآخَرَ امْرَأَةٌ صَحَّ الْوَقْفُ فِي النِّكَاحِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ، فَإِنْ مَاتَا قَبْلَ الْبَيَانِ لَمْ يَتَوَارَثَا لِمَا مَرَّ شَهِدَ شُهُودٌ عَلَى خُنْثَى أَنَّهُ غُلَامٌ، وَشُهُودٌ أَنَّهُ جَارِيَةٌ، وَالْمَطْلُوبُ مِيرَاثٌ، قَضَيْتُ بِشَهَادَةِ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى مَهْرًا قَضَيْتُ بِكَوْنِهَا جَارِيَةً، وَإِنْ كَانَ الْمُقِيمُ لَا يَطْلُبُ شَيْئًا لَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْوَصَايَا]
[بَيَان جَوَازِ الْوَصِيَّة]
(كِتَابُ الْوَصَايَا)
الْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ، وَفِي بَيَانِ رُكْنِ الْوَصِيَّةِ، وَفِي بَيَانِ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ رُكْنِ الْوَصِيَّةِ، وَفِي بَيَانِ صِفَةِ عَقْدِ الْوَصِيَّةِ، وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْوَصِيَّةِ، وَفِي بَيَانِ مَا تَبْطُلُ بِهِ الْوَصِيَّةُ.
(أَمَّا) الْأَوَّلُ فَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمَوْتُ مُزِيلٌ لَلْمِلْكِ فَتَقَعُ الْإِضَافَةُ إلَى زَمَانِ زَوَالِ الْمِلْكِ فَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ تَمْلِيكًا فَلَا يَصِحُّ، إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَهَا بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الْكَرِيمَةِ وَالْإِجْمَاعِ، أَمَّا الْكِتَابُ الْعَزِيزُ فَقَوْلُهُ ﵎ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ﴾ [النساء: ١١] إلَى قَوْلِهِ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١١] وَ ﴿يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١٢] وَ ﴿يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١٢] وَ ﴿تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١٢] شُرِعَ الْمِيرَاثُ مُرَتَّبًا عَلَى الْوَصِيَّةِ فَدَلَّ أَنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ، وَقَوْلُهُ ﷾: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ﴾ [المائدة: ١٠٦] ، نَدَبَنَا ﷾ إلَى الْإِشْهَادِ عَلَى حَالِ الْوَصِيَّةِ فَدَلَّ أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ.
(وَأَمَّا) السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ ﵁ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ كَانَ مَرِيضًا فَعَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أُوصِي بِجَمِيعِ مَالِي؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَبِنِصْفِ مَالِي؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَبِثُلُثِ مَالِي؟ فَقَالَ ﵇ الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» .
وَرُوِيَ: فُقَرَاءُ يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فَقَدْ جَوَّزَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ ﵊ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ ﵎ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِكُمْ زِيَادَةً عَلَى أَعْمَالِكُمْ فَضَعُوهُ حَيْثُ شِئْتُمْ» .
أَخْبَرَ ﵊ أَنَّ اللَّهَ ﵎ جَعَلَنَا أَخَصَّ بِثُلُثِ أَمْوَالِنَا فِي آخِرِ أَعْمَارِنَا لِنَكْسِبَ بِهِ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِنَا.
وَالْوَصِيَّةُ تَصَرُّفٌ فِي ثُلُثِ الْمَالِ فِي آخِرِ الْعُمْرِ زِيَادَةٌ فِي الْعَمَلِ فَكَانَتْ مَشْرُوعَةً.
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَإِنَّ الْأُمَّةَ مِنْ لَدُنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَى يَوْمِنَا هَذَا يُوصُونَ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ مِنْ أَحَدٍ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا مِنْ الْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَالسُّنَّةِ الْكَرِيمَةِ وَالْإِجْمَاعِ مَعَ مَا أَنَّ ضَرْبًا مِنْ الْقِيَاسِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَهُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَكُونَ خَتَمَ عَمَلَهُ بِالْقُرْبَةِ زِيَادَةً عَلَى الْقُرَبِ السَّابِقَةِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ أَوْ تَدَارُكًا لِمَا فَرَّطَ فِي حَيَاتِهِ وَذَلِكَ بِالْوَصِيَّةِ، وَهَذِهِ الْعُقُودُ مَا شُرِعَتْ إلَّا لِحَوَائِجِ الْعِبَادِ، فَإِذَا مَسَّتْ حَاجَتُهُمْ إلَى الْوَصِيَّةِ وَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهَا، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ مِلْكَ الْإِنْسَانِ لَا يَزُولُ بِمَوْتِهِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَلَا يَرَى: أَنَّهُ بَقِيَ فِي قَدْرِ جِهَازِهِ مِنْ الْكَفَنِ، وَالدَّفْنِ وَبَقِيَ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ مُطَالَبٌ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ لِحَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ كَذَلِكَ هَهُنَا، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةٌ لَمَا رُوِيَ عَنْهُ ﵊ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لَهُ مَالٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ» .
وَفِي نَفْسِ الْحَدِيثِ مَا يَنْفِي الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيمَ تَرْكِ الْإِيصَاءِ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِيصَاءِ، وَالْوَاجِبُ لَا يَقِفُ وُجُوبُهُ عَلَى إرَادَةِ مَنْ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ، أَوْ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْفَرَائِضِ، وَالْوَاجِبَاتِ كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَالْوَصِيَّةُ بِهَا وَاجِبَةٌ - عِنْدَنَا - عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَرَدَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الثُّبُوتِ فَلَا يُقْبَلُ، وَقِيلَ إنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً فِي الِابْتِدَاءِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِ اللَّهِ ﵎ ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ١٨٠] ، ثُمَّ نُسِخَتْ وَاخْتُلِفَ فِي النَّاسِخِ قَالَ بَعْضُهُمْ: نَسَخَهَا الْحَدِيثُ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ﵁