وَسَيِّدِنَا عُمَرَ ﵄ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ لِعَدَمِ غِنَاهُمَا لَمَّا كَانَ لَا يَفْضُلُ رِزْقُهُمَا الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ عَنْ كِفَايَتِهِمَا، وَالْغِنَى شَرْطُ الْوُجُوبِ فِي هَذَا النَّوْعِ وَقَوْلُ أَبِي مَسْعُودٍ ﵁ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِلْكِتَابِ الْكَرِيمِ وَالسُّنَّةِ مَعَ مَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَخَافَ عَلَى جَارِهِ لَوْ ضَحَّى أَنْ يَعْتَقِدَ وُجُوبَ الْأُضْحِيَّةَ مَعَ قِيَامِ الدَّيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوُجُوبِ الْفَرْضَ إذْ هُوَ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ فَخَافَ عَلَى جَارِهِ اعْتِقَادَ الْفَرْضِيَّةِ لَوْ ضَحَّى فَصَانَ اعْتِقَادَهُ بِتَرْكِ الْأُضْحِيَّةَ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا قُلْنَا تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّنَاقُضِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْمُسَافِرِ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لَا تُوجَدُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي بَيَانِ الشَّرَائِطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ.
وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاةٍ - وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ - وَهُوَ مُوسِرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاتَيْنِ عِنْدَنَا؛ شَاةٌ لِأَجْلِ النَّذْرِ وَشَاةٌ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً إلَّا إذَا عَنَى بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ.
وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ حَقِيقَتُهَا لِلْإِخْبَارِ فَيَكُونُ إخْبَارًا عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّضْحِيَةُ بِأُخْرَى، وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ جُعِلَتْ إنْشَاءً كَصِيغَةِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَكِنَّهَا تَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ فَيُصَدَّقُ فِي حُكْمٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَزَّ شَأْنُهُ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ يَلْزَمُهُ التَّضْحِيَةُ بِشَاتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ إذْ لَا وُجُوبَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْوَاجِب - وَلَا وَاجِبَ - يَكُونُ كَذِبًا فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ مُرَادًا بِهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ أَيْسَرَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ النَّذْرِ أُضْحِيَّةٌ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ الْإِنْشَاءُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ أُضْحِيَّةٌ بِنَذْرِهِ وَأُخْرَى بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً لِوُجُودِ شَرْطِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْغِنَى.
(وَأَمَّا) التَّطَوُّعُ فَأُضْحِيَّةُ الْمُسَافِرِ وَالْفَقِيرِ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ النَّذْرُ بِالتَّضْحِيَةِ وَلَا الشِّرَاءُ لِلْأُضْحِيَّةِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَشَرْطِهِ.
[فَصْل فِي شَرَائِطِ وُجُوبِ فِي الْأُضْحِيَّةَ]
َ وَأَمَّا شَرَائِطُ الْوُجُوبِ؛ فَأَمَّا فِي النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَشَرَائِطُ أَهْلِيَّةِ النَّذْرِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ النَّذْرِ وَأَمَّا فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ فَمِنْهَا الْإِسْلَامُ فَلَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَبِ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْإِسْلَامِ فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ؛ حَتَّى لَوْ كَانَ كَافِرًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي آخِرِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ يَفْضُلُ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ فَيَكْفِي فِي وُجُوبِهَا بَقَاءُ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ كَالصَّلَاةِ.
وَمِنْهَا الْحُرِّيَّةُ فَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ أَوْ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ مُتَعَلِّقٌ بِمِلْكِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَلَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ بَلْ يُكْتَفَى بِالْحُرِّيَّةِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ أُعْتِقَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَمَلَكَ نِصَابًا تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ لِمَا قُلْنَا فِي شَرْطِ الْإِسْلَامِ.
وَمِنْهَا الْإِقَامَةُ فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَأَدَّى بِكُلِّ مَالٍ وَلَا فِي كُلِّ زَمَانٍ بَلْ بِحَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَالْمُسَافِرُ لَا يَظْفَرُ بِهِ فِي كُلِّ مَكَان فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةَ فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ لَاحْتَاجَ إلَى حَمْلِهِ مَعَ نَفْسِهِ وَفِيهِ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى أَوْ احْتَاجَ إلَى تَرْكِ السَّفَرِ وَفِيهِ ضَرَرٌ فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى امْتِنَاعِ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهَا بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ بَلْ جَمِيعُ الْعُمُرِ وَقْتُهَا فَكَانَ جَمِيعُ الْأَوْقَاتِ وَقْتًا لِأَدَائِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لِلْحَالِ يُؤَدِّيهَا إذَا وَصَلَ إلَى الْمَالِ، وَكَذَا تَتَأَدَّى بِكُلِّ مَالٍ فَإِيجَابُهَا عَلَيْهِ لَا يُوقِعُهُ فِي الْحَرَجِ، وَكَذَلِكَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا تَجِبُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا كَالزَّكَاةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ تَتَوَقَّفُ بِيَوْمِ الْفِطْرِ لَكِنَّهَا تَتَأَدَّى بِكُلِّ مَالٍ فَلَا يَكُونُ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِ حَرَجٌ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَقَالَ: وَلَا تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ عَلَى الْحَاجِّ؛ وَأَرَادَ بِالْحَاجِّ الْمُسَافِرَ فَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأُضْحِيَّةُ وَإِنْ حَجُّوا؛ لِمَا رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ كَانَ يَخْلُفُ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ أَهْلِهِ أَثْمَانَ الضَّحَايَا لِيُضَحُّوا عَنْهُ تَطَوُّعًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِيُضَحُّوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ لَا عَنْهُ فَلَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ مَعَ الِاحْتِمَالِ.
وَلَا تُشْتَرَطُ الْإِقَامَةُ فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ أَقَامَ فِي آخِرِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِمَا بَيَّنَّا فِي شَرْطِ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَلَوْ كَانَ مُقِيمًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ سَافَرَ فِي آخِرِهِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا هَذَا إذَا سَافَرَ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ أُضْحِيَّةً؛ فَإِنْ اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ ثُمَّ سَافَرَ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّ لَهُ بَيْعَهَا وَلَا يُضَحِّي بِهَا، وَهَكَذَا