للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ الْبِسَاطَ عَلَى الْبِسَاطِ.

وَخَالَفَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْفِرَاشِ خَاصَّةً فَقَالَ إذَا حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ وَنَامَ عَلَيْهِ حَنِثَ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مَقْصُودَانِ بِالنَّوْمِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُجْعَلُ لِزِيَادَةِ التَّوْطِئَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَجَعَلَ فَوْقَهُ قِرَامًا أَوْ مَحْبِسًا حَنِثَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُقَالَ نَامَ عَلَى الْفِرَاشِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ أَوْ عَلَى هَذَا الدُّكَّانِ أَوْ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا السَّطْحِ فَجَعَلَ فَوْقه مُصَلًّى أَوْ فُرُشًا أَوْ بِسَاطًا ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ حَنِثَ لِأَنَّهُ يُقَالُ جَلَسَ الْأَمِيرُ عَلَى السَّرِيرِ وَإِنْ كَانَ فَوْقَهُ فِرَاشٌ وَيُقَالُ نَامَ عَلَى السَّطْحِ وَإِنْ كَانَ نَامَ عَلَى فِرَاشٍ فَلَوْ جَعَلَ فَوْقَ السَّرِيرِ سَرِيرًا أَوْ بَنَى فَوْقَ الدُّكَّانِ دُكَّانًا أَوْ فَوْقَ السَّطْحِ سَطْحًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْجُلُوسَ يُضَافُ إلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا كَانَ نَوَى مُبَاشَرَتَهُ وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ فَوْقَهُ شَيْءٌ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ يُعْنَى بِهِ إذَا حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى السَّرِيرِ فَنَامَ عَلَى الْفِرَاشِ فَوْقَ السَّرِيرِ لِأَنَّهُ نَوَى غَيْرَ ظَاهِرِ كَلَامِهِ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَنَامُ عَلَى أَلْوَاحِ هَذَا السَّرِيرِ أَوْ أَلْوَاحِ هَذِهِ السَّفِينَةِ فَفَرَشَ عَلَى ذَلِكَ فِرَاشًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ مَا نَامَ عَلَى أَلْوَاحٍ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا حَلَفَ لَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ فَمَشَى عَلَيْهَا وَفِي رِجْلِهِ خُفٌّ أَوْ نَعْلٌ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَشْيَ عَلَى الْأَرْضِ هَكَذَا يَكُونُ عَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَا هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ وَإِنْ مَشَى عَلَى بِسَاطٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ يُقَالُ مَشَى عَلَى الْبِسَاطِ وَجَاءَ فِي الشِّعْرِ

نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقِ … نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقِ

وَلَوْ مَشَى عَلَى السَّطْحِ حَنِثَ لِأَنَّهُ يُقَالُ هَذِهِ أَرْضُ السَّطْحِ وَيُقَالُ لِمَنْ عَلَى السَّطْحِ لَا تَنَمْ عَلَى الْأَرْضِ.

[فَصْلٌ فِي الْحَلِفِ عَلَى السُّكْنَى وَالْمُسَاكَنَةِ وَالْإِيوَاءِ وَالْبَيْتُوتَةِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى السُّكْنَى وَالْمُسَاكَنَةِ وَالْإِيوَاءِ وَالْبَيْتُوتَةِ أَمَّا السُّكْنَى فَإِذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَمَّا إنْ كَانَ فِيهَا سَاكِنًا أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا سَاكِنًا فَالسُّكْنَى فِيهَا أَنْ يَسْكُنَهَا بِنَفْسِهِ وَيَنْقُلَ إلَيْهَا مِنْ مَتَاعِهِ مَا يَتَأَثَّثُ بِهِ وَيَسْتَعْمِلُهُ فِي مَنْزِلِهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ سَاكِنٌ وَحَانِثٌ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّ السُّكْنَى هِيَ الْكَوْنُ فِي الْمَكَانِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِقْرَارِ فَإِنَّ مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ وَبَاتَ فِيهِ لَا يُسَمَّى سَاكِنَ الْمَسْجِدِ وَلَوْ أَقَامَ فِيهِ بِمَا يَتَأَثَّثُ بِهِ يُسَمَّى بِهِ فَدَلَّ أَنَّ السُّكْنَى مَا ذَكَرْنَا وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِمَا يَسْكُنُ بِهِ فِي الْعَادَةِ وَذَلِكَ مَا قُلْنَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا سَاكِنًا فَحَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا فَإِنَّهُ لَا يَبَرُّ حَتَّى يَنْتَقِلَ عَنْهَا بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ الَّذِينَ مَعَهُ وَمَتَاعِهِ وَمَنْ كَانَ يَأْوِيهَا لِخِدْمَتِهِ وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ فِي مَنْزِلِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْخُذْ فِي النُّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ وَهِيَ مُمْكِنَةٌ حَنِثَ.

هَهُنَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ أَحَدُهَا إذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ فَانْتَقَلَ بِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَحْنَثُ وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الرَّاكِبِ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ وَاللَّابِسِ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ فَنَزَلَ وَنَزَعَ فِي الْحَالِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَالثَّانِي إذَا انْتَقَلَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ بِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْنَثُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحْنَثُ وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ سُكْنَاهُ وَلَمْ يَسْكُنْ فَلَا يَحْنَثُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ فِي بَلَدٍ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ فِيهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مُحْتَجًّا عَلَيْنَا إذَا خَرَجْت مِنْ مَكَّةَ وَخَلَّفْت دُفَيْتِرَاتٍ بِهَا أَفَأَكُونُ سَاكِنًا بِمَكَّةَ وَلَنَا أَنَّ سُكْنَى الدَّارِ إنَّمَا يَكُونُ بِمَا يُسْكَنُ بِهِ فِي الْعَادَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ اسْمٌ لِلْكَوْنِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِقْرَارِ وَلَا يَكُونُ الْكَوْنُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إلَّا بِمَا يُسْكَنُ بِهِ عَادَةً فَإِذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا وَهُوَ فِيهَا فَالْبِرُّ فِي إزَالَةِ مَا كَانَ بِهِ سَاكِنًا فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ وَهَذَا لِأَنَّهُ بِقَوْلِهِ لَا أَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَقَدْ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْ سُكْنَى الدَّارِ وَكُرِهَ سُكْنَاهَا لِمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى الدَّارِ وَالْإِنْسَانُ كَمَا يَصُونُ نَفْسَهُ عَمَّا يَكْرَهُ يَصُونُ أَهْلَهُ عَنْهُ عَادَةً فَكَانَتْ يَمِينُهُ وَاقِعَةً عَلَى السُّكْنَى وَمَا يُسْكَنُ بِهِ عَادَةً فَإِذَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَتَاعَهُ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْبِرِّ فَيَحْنَثُ.

وَالدَّفَاتِرُ لَا يُسْكَنُ بِهَا فِي الدُّورِ عَادَةً فَبَقَاؤُهَا لَا يُوجِبُ بَقَاءَ السُّكْنَى فَهَذَا كَانَ تَشْنِيعًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَلِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ فِيهَا يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ سَاكِنَ الدَّارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ وَهُوَ فِي السُّوقِ أَيْنَ تَسْكُنُ؟ يَقُولُ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فِيهِ وَبِهَذَا فَارَقَ الْبَلَدَ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ بِالْبَصْرَةِ إنَّهُ سَاكِنٌ بِالْكُوفَةِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إذَا انْتَقَلَ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ وَمَتَاعِهِ وَتَرَكَ مِنْ أَثَاثِهِ شَيْئًا يَسِيرًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحْنَثُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَ الْمَتَاعُ الْمَتْرُوكُ لَا يَشْغَلُ بَيْتًا وَلَا بَعْضَ الدَّارِ لَا يَحْنَثُ وَلَسْت أَجِدُ فِي هَذَا حَدًّا وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ وَعَلَى مَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ.

وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا تَرَكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>