للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحْدَاثَ هَذَا الْمِلْكِ، وَبِالْفَسْخِ لَا يَظْهَرُ أَنَّ إحْدَاثَ الْمِلْكِ لَمْ يَكُنْ، فَلَا يَرْتَفِعُ مَا يُقَابَلُ، وَهُوَ الْمَهْرُ، فَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْعُيُوبَ لَا تَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ أَمَّا الْجُنُونُ، وَالْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ، فَلَا يُشْكِلُ، وَكَذَلِكَ الرَّتَقُ وَالْقَرَنُ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ يُقْطَعُ وَالْقَرَنُ يُكْسَرُ، فَيُمْكِنُ الِاسْتِمْتَاعُ بِوَاسِطَةٍ لِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُفْسَخْ بِسَائِرِ الْعُيُوبِ كَذَا هَذَا.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ، فَنَقُولُ بِمُوجِبِهِ أَنَّهُ يَجِبُ الِاجْتِنَابُ عَنْهُ، وَالْفِرَارُ يُمْكِنُ بِالطَّلَاقِ لَا بِالْفَسْخِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَعْيِينُ طَرِيقِ الِاجْتِنَابِ وَالْفِرَارِ، وَأَمَّا الثَّانِي، فَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ قَالَ: لَهَا الْحَقِي بِأَهْلِك، وَهَذَا مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ عِنْدَنَا، وَالْكَلَامُ فِي الْفَسْخِ وَالرَّدِّ الْمَذْكُورُ فِيهِ قَوْلُ الرَّاوِي، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً أَوْ تَحْمِلُهُ عَلَى الرَّدِّ بِالطَّلَاقِ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّنَاقُضِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.

وَخُلُوُّ النِّكَاحِ مِنْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلُزُومِ النِّكَاحِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَلَمْ يَرَهَا لَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَآهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ.

وَكَذَا خُلُوُّهُ عَنْ خِيَارِ الشَّرْطِ سَوَاءٌ جَعَلَ الْخِيَارَ لِلزَّوْجِ أَوْ لِلْمَرْأَةِ أَوْ لَهُمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ بَطَلَ الشَّرْطُ، وَجَازَ النِّكَاحُ.

[فَصْلٌ شُرُوط بَقَاءِ النِّكَاحِ]

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الثَّانِي، فَشَرْطُ بَقَاءِ النِّكَاحِ لَازِمًا نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَتَعَلَّقُ بِالزَّوْجِ فِي نِكَاحِ زَوْجَتِهِ، وَنَوْعٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْلَى فِي نِكَاحِ أَمَتِهِ أَمَّا.

الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالزَّوْجِ فِي نِكَاحِ زَوْجَتِهِ، فَعَدَمُ تَمْلِيكِهِ الطَّلَاقَ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا بِأَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَارِي أَوْ أَمْرُكِ بِيَدِكِ يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ طَلِّقِي نَفْسَكِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ أَوْ يَقُولَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ شِئْتَ كَذَا عَدَمُ التَّطْلِيقِ بِشَرْطٍ، وَالْإِضَافَةُ إلَى وَقْتٍ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّمْلِيكِ جَعَلَ النِّكَاحَ بِحَالٍ لَا يَتَوَقَّفُ زَوَالُهُ عَلَى اخْتِيَارِهِ بَعْدَ الْجَعْلِ.

وَكَذَا بِالتَّعْلِيقِ، وَالْإِضَافَةِ، وَهَذَا مَعْنَى عَدَمُ بَقَاءِ النِّكَاحِ لَازِمًا.

(وَأَمَّا) .

الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْلَى فِي نِكَاحِ أَمَتِهِ، فَهُوَ أَنْ لَا يَعْتِقَ أَمَتَهُ الْمَنْكُوحَةَ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهَا لَا يَبْقَى الْعَقْدُ لَازِمًا، وَكَانَ لَهَا الْخِيَارُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِخِيَارِ الْعَتَاقَةِ.

وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ شَرْطِ ثُبُوتِ هَذَا الْخِيَارِ، وَفِي بَيَانِ وَقْتِ ثُبُوتِهِ، وَفِي بَيَانِ مَا يَبْطُلُ بِهِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِثُبُوتِ هَذَا الْخِيَارِ شَرَائِطُ مِنْهَا: وُجُودُ النِّكَاحِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهَا، ثُمَّ زَوَّجَهَا مِنْ إنْسَانٍ، فَلَا خِيَارَ لَهَا لِانْعِدَامِ النِّكَاحِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ.

وَلَوْ أَعْتَقَهَا، ثُمَّ زَوَّجَهَا، وَهِيَ صَغِيرَةٌ، فَلَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ لَا خِيَارُ الْعِتْقِ لِمَا قُلْنَا، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ التَّزْوِيجُ نَافِذًا حَتَّى لَوْ زَوَّجَتْ الْأَمَةُ نَفْسَهَا مِنْ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى، فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَأَمَّا كَوْنُ الزَّوْجِ رَقِيقًا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ، فَهَلْ هُوَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا؟ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهَا سَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: شَرْطٌ، وَلَا خِيَارَ لَهَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «زَوْجُ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا، فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ وَلَوْ كَانَ حُرًّا مَا خَيَّرَهَا» ، وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا إنَّمَا قَالَتْ ذَلِكَ سَمَاعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ؛ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ فِي الْعَبْدِ إنَّمَا ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَهُوَ ضَرَرُ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَضَرَرُ لُزُومِ نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ وَضَرَرُ نُقْصَانِ الْمُعَاشَرَةِ لِكَوْنِ الْعَبْدِ مَشْغُولًا بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى، وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ فِي الْحُرِّ، فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ (وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ «قَالَ لِبَرِيرَةَ حِينَ أُعْتِقَتْ مَلَكْتِ بُضْعَكِ، فَاخْتَارِي» .

وَرُوِيَ مَلَكْتِ أَمْرَكِ، وَرُوِيَ مَلَكْتِ نَفْسَكِ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا بِنَصِّهِ، وَالْآخَرِ بِعِلَّةِ النَّصِّ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ أَنَّهُ خَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ حِينَ أُعْتِقَتْ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ حُرًّا، فَإِنْ قِيلَ رَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ عَبْدًا، فَتَعَارَضَتْ الرِّوَايَتَانِ، فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِمَا، فَالْجَوَابُ أَنَّ مَا رَوَيْنَا مُثْبِتٌ لِلْحُرِّيَّةِ، وَمَا رَوَيْتُمْ مُبْقٍ لِلرِّقِّ، وَالْمُثْبِتُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ قَدْ يَكُونُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَالثُّبُوتُ يَكُونُ بِنَاءً عَلَى الدَّلِيلِ لَا مَحَالَةَ، فَمَنْ قَالَ: كَانَ عَبْدًا اُحْتُمِلَ أَنَّهُ اعْتَمَدَ اسْتِصْحَابَ الْحَالِ.

وَمَنْ قَالَ: كَانَ حُرًّا بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الدَّلِيلِ لَا مَحَالَةَ، فَصَارَ كَالْمُزَكِّيَيْنِ جَرَّحَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا، وَالْآخَرُ زَكَّاهُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْجَارِحِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا؛ وَلِأَنَّ مَا رَوَيْنَا مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ، وَمَا رَوَيْتُمْ مُخَالِفٌ لَهُ لِمَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَالْمُوَافِقُ لِلْقِيَاسِ أَوْلَى.

(وَأَمَّا) الثَّانِي، فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ جَعَلَ مِلْكَهَا بُضْعَهَا أَوْ أَمْرَهَا أَوْ نَفْسَهَا عِلَّةً لِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهَا مَلَكَتْ بُضْعَهَا، ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهَا بِحَرْفِ التَّعْقِيبِ، وَمِلْكُهَا نَفْسَهَا مُؤَثِّرٌ فِي رَفْعِ الْوِلَايَةِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ اخْتِصَاصٌ، وَلَا اخْتِصَاصَ مَعَ وِلَايَةِ الْغَيْرِ، وَالْحُكْمُ إذَا ذُكِرَ عَقِيبَ وَصْفٍ لَهُ أَثَّرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>